strong>قد يكون غياب جهاز الكمبيوتر عن المنزل مألوفاً بالنسبة إلى البعض، لكنّه يسبب إزعاجاً لشريحة واسعة من طلاّب الجامعات الذين يعانون من عدم امتلاكهم الكمبيوتر من جهة، وما يتعرّضون له من صعوبات ومواقف حرجة بين زملائهم وأساتذتهم وفي مقاهي الإنترنت من جهة ثانية
فاطمة عبد الله
تحلم الطالبة في الاجتماع والاقتصاد سمر مهنا بشراء جهاز كمبيوتر. فالفتاة تتدرب على المهارات الأساسية التي ستحتاج إليها في الجامعة، وستشتري جهازاً ولو اضطرت للعمل دوامين فور انتهاء امتحاناتها الرسميّة.
قد يبدو الحلم مستغرباً، لكن لا يفهم معاناة الآخر إلاّ من ذاق المعاناة نفسها، تقول سمر التي تنتمي إلى عائلة ينقصها الكثير من الضروريات كغرفة نوم وفرن غاز جديد وحتّى غسالة جديدة، بدلاً من تلك القديمة التي تصدر أصواتاً مزعجة وتتعطّل والملابس في داخلها، إلاّ أنّ الكمبيوتر عندها هو الأهم لأنه سيجعلها تكمل تعليمها لتنتشل أهلها من الفقر وتسد النقص الكبير في منزلها.
وإذا كانت سمر لم تدخل الحياة الجامعية ومعترك الأبحاث الطويلة بعد، إلا أنّ الطالبة في إدارة الأعمال جمال فرحات ذاقت مرارة افتقادها جهاز الكمبيوتر الضروري جداً في اختصاصها. لا تعرف جمال شيئاً عن برامج الـ excel وغيرها، لأنّ إتقانها يتطلّب ممارسة دائمة وهذا غير متوافر. تشعر بالخجل عندما يسأل أستاذ المادة عمن لا يملك جهاز كمبيوتر في المنزل فتكون هي الوحيدة في الصف، وعندها يعلّق زملاؤها بأنّ الإنسان داس القمر بقدميه وجمال لا تزال بلا كمبيوتر! لذا تضطر بعد انتهاء المحاضرة إلى الاستعانة بأحد زملائها ليعيد لها الشرح بتأن. ورغم حاجة جمال الماسة إلى جهاز الكمبيوتر، فهي لا تصرّ على والدها ليبتاع لها واحداً «لأنني لستُ صغيرة وأعرف أنه غير قادر على ذلك»، تقول بحسرة.
فوالد جمال يعمل سائقاً للأجرة وهم يسكنون بالإيجار في بيت مؤلّف من غرفتين صغيرتين وشبه مطبخ في أحد أحياء منطقة الأوزاعي، وجمال مضطرة للعمل كمدرّسة خصوصيّة لكي تؤمن بدل المواصلات إلى الجامعة، وثمن الساعات التي تمضيها في محلاّت الإنترنت. أما بعض أشيائها الخاصة فتؤمنها من المال الذي تدخره عندما تتنقّل سيراً على الأقدام من مقر الجامعة في الحدث إلى المنزل في الأوزاعي.
على صعيد آخر، الحصول على المعلومات المطلوبة والدقيقة في مقاهي الإنترنت غير مضمون، بحسب سمر، لأن تفكير الطالب يكون في غالبية الأحيان متأرجحاً بين إنجازه بحثه وبين ما سيدفعه لمالك المقهى عندما يخرج. لذا يكون الهدف الحصول على أكبر كميّة من المعلومات على حساب النوعيّة وبأقل كلفة ممكنة.
ثم إنّ الطالب الذي يعاني وضعاً مادياً مزرياً لا يرتاد محلات الإنترنت للهو ومضيعة الوقت، بل يدّخر المال ويحرم نفسه من الخروج مع زملائه ومن الأكل في الكافيتريا ومن «شم الهواء» لتسديد بدل إنجاز البحث الذي يصل في بعض الأحيان إلى 30 ألف ليرة لبنانية، كما يقول الطالب سامر أبو ضاهر. وفي بعض الحالات يضطر الطالب إلى استدانة المال من أحد أصدقائه من أجل شراء كمبيوتر «لقطة»، وبعد ذلك يفاجأ بأنه يتعطّل كثيراً وفي كل مرّة يتطلّب تصليحه 20 دولاراً كحد أدنى، فيضطر لتركه جانباً حتّى تأتي بيعته أو يتمكّن من إصلاحه كما فعل الطالب محمد صعب.
وإذا كان في قاعات بعض الجامعات أجهزة كمبيوتر مخصصة للطلاب الذين لا تسمح لهم أوضاعهم المادية باقتناء جهازهم الخاص، إلاّ أنه ليس باستطاعة هؤلاء الطلاّب جر قاعة الجامعة معهم إلى البيت لإنجاز أبحاثهم وواجباتهم، وهنا تبدأ المعاناة و«الشحشطة»، وخصوصاً في فصل الشتاء، فعدم امتلاك الطالب جهاز كمبيوتر سيجبره على الجلوس ساعات طويلة في محلاّت الإنترنت وتحمّل ارتفاع صوت الموسيقى وصراخ الأولاد الذين يلهون ويلعبون وأحياناً «يسبّون» عندما يخسرون في لعبة ما.
أما الأهل فيدرك بعضهم ضرورة امتلاك أولادهم جهاز الكمبيوتر منذ الصغر، لذا يحرمون أنفسهم من شراء الملابس وأدوات الزينة وغيرها من الكماليات التي يحتاج إليها المنزل ليؤمنوا ثمن هذا الجهاز الذي يتجاوز عتبة الـ1000 دولار إذا كان جيداً ومتطوراً.
من جهة ثانية، ترتب الأبحاث مع بداية كل فصل دراسي على الطالب الذي لا يملك كمبيوترَ في منزله معاناة لا تحصى. فالواجبات لا بدّ من تقديمها في مواعيدها، على أن تكون مطبوعة ومجلّدة وغنيّة بالمعلومات تحت طائلة التراجع في العمل التطبيقي. لذا يجد الطالب نفسه مضطراً إلى اللجوء إلى إحدى المكتبات المجاورة للجامعة لإنجازها. وهنا يدفع الطالب مالاً كان قد ادخره لهذا الغرض، فهو يعلم مسبقاً أن ثمن طباعة الصفحة الواحدة في المكتبات 1500 ل.ل. والبحث الواحد يمكن أن يتجاوز عشرين صفحة، وهذا يعني أنّ ثمن طباعة بحث لمادة واحدة هو 30 ألف ل.ل. فماذا إذاً عن تسع مواد في الفصل الواحد؟
أما إذا كانت بعض الجامعات تتبع نظام التعليم الافتراضي عن بعد بواسطة الكمبيوتر، فإن طلابها حتماً سيعانون إذا لم يملكوا جهازاً خاصاً بهم. وفاتن عقل هي إحدى الطالبات اللواتي دخلن في اختصاص وجامعة غير مناسبين، ليس بسبب ضعف كفاءتها بل لأنها لا تملك كمبيوترَ في منزلها. فكل واجباتها يجب أن تسلّم على الكمبيوتر، كما يجب أن تطبع بواسطته أيضاً، لأنّ الجامعة ترفض أي ورقة أو واجب مقدّم بخط اليد، إضافة إلى أن امتحاناتها تجري من خلاله ونتائجها وعلاماتها التطبيقيّة تظهر عليه أيضاً، لذا تضطر أحياناً كثيرة للذهاب إلى الجامعة من دون تحضير، لأنها لا تعرف الدروس التي تقرّ عبر الكمبيوتر. فلو عرفت فاتن أن كل هذه الصعوبات ستواجهها لما اختارت هذا الاختصاص مطلقاً، على رغم أنها تحبه جداً. فهي لم تسدد قسط الجامعة بعد، ولا تملك بدل مواصلات لكامل الشهر، فكيف سيكون معها ثمن جهاز كمبيوتر؟ وهي تعمل ثماني ساعات في أحد المطاعم الذي يكون على حساب جامعتها وحياتها الخاصة من أجل أن تؤمن قسط الجامعة. فعملها منعها حتّى من الاهتمام بدروسها، فتضطر أحياناً كثيرة لأن تطلب من زميلها أن ينجز لها بعضاً من واجباتها الأساسيّة أو أن يخبرها عن الواجبات التي تقرّ عبر الكمبيوتر، من أجل أن تخصص لها يوم عطلتها وتذهب إلى محل الإنترنت وتؤديها.