طرابلس ـ عبد الكافي الصمدوإذا كانت الاشتباكات قد سبّبت موجة نزوح كبيرة من مناطق الاشتباكات، وحوّلت شوارع طرابلس إلى أماكن مقفرة، فإن أجواء توتر كانت تخيم منذ أيام في مناطق الاشتباكات المذكورة، بعدما شهدت الأسبوع الماضي سلسلة من الحوادث المتفرقة، كإلقاء القنابل وإطلاق الرصاص، فضلاً عن المشاكل الناتجة من استفزازات متبادلة، مما جعل كثيرين من سكان هذه المناطق ينزحون منها تباعاً.
وإذ تبادل الطرفان توجيه الاتهامات كالعادة حول أسباب اندلاع الاشتباكات، فإن ارتفاع حدة عنفها (استخدام قذائف الهاون وبـ7، فضلاً عن رصاص القنص بغزارة والأسلحة الرشاشة)، وعدد ضحاياها (قتيلين وأكثر من 30 جريحاً حتى عصر أمس)، عكس أجواء الاحتقان والاستعدادات التي كانت قائمة، والتي سبقها إخلاء الطرفين عدداً من المواقع الأمامية قرب خطوط التماس، إضافة إلى انتشار كثيف لعناصر مسلّحة في محيط تعاونية ريفا في القبة، وإقامتهم تحصينات مقابلة لجبل محسن، بعد طلبهم من نازحين من مخيم نهر البارد يقيمون في مخازن تلك المنطقة الخروج منها، مما اضطر هؤلاء إلى النزوح مجدداً نحو مخيم البداوي، الذي ضربت القوة الأمنية الفلسطينية المشتركة طوقاً عسكرياً حوله، ومنعت الدخول إليه والخروج منه إلا بعد التثبّت من هويات الأشخاص.
وسط أجواء التوتر هذه، اندلعت اشتباكات عنيفة قرابة الثالثة والربع من فجر أمس، وأدى ارتفاع حدتها إلى سقوط قذائف في شارعي ابن سينا والشارع الجديد في القبة، وحي الغرباء في الزاهرية، ومستديرتي الملولة ونهر أبو علي، فيما كانت منطقة البقار على خطوط التماس تشهد أشرس المعارك وأعنفها، وأدّت إلى سقوط قتلى وجرحى، واحتراق بعض المنازل والمحال التجارية، كما تعرّض الجيش فيها، وفي محيط تعاونية ريفا، إلى إطلاق قذائف ورصاص قنص، أدى إلى تضرر آليات عسكرية تابعة له، وجرح جندي، وقد تبادل كل طرف رمي مسؤولية ما حصل على الطرف الآخر.
وفي موازاة محاولة كل طرف تأكيد أن ما يقوم به هو «للدفاع عن النفس»، أشارت مصادر من طرفي النزاع إلى أن «عوامل ضبط الوضع غير متوافرة بعد»، مبدية تخوفها من «تدهور الأمور نحو الأسوأ، إذا لم تتوصل مساعي الهدنة إلى نتيجة إيجابية».
وكانت محاولات التهدئة والاتصالات قد أثمرت اجتماعاً موسّعاً عقد في منزل مفتي طرابلس والشمال الشيخ مالك الشعار، حضرته فاعليات وممثّلون للموالاة، إضافة إلى الرئيس نجيب ميقاتي وممثّلين عن الجماعة الإسلامية والتيار السلفي، وغاب عنه الرئيس عمر كرامي الذي أوضحت مصادر مقرّبة منه أنه «لم يدع إلى حضوره»، إضافة إلى غياب جهات أخرى للسبب ذاته.
وتسارعت الاتصالات لعقد اجتماع مسائي في ثكنة بهجت غانم العسكرية في القبة، في محاولة لنزع فتيل التوتر، وإقرار هدنة قد تسهم في سحب المظاهر المسلحة من الشوارع، وانتشار الجيش في أرجاء المدينة كلها، وسط أجواء تخوّف من أن يؤدي فشل الاجتماع إلى تدهور الوضع على نطاق أوسع هذه المرة.