strong>خرج المؤتمر الدولي لإعادة إعمار مخيم نهر البارد والمناطق المجاورة في العاصمة النمساويّة فيينا بربع القيمة التي خمّنها تقرير وكالة الأونروا، بحيث اكتتبت الدول الأوروبيّة والغربيّة بمبلغ 122 مليون دولار من أصل 455 مليون دولار أميركي، على أن تترك الباقي لاجتماع الدول العربيّة المقرّر في الرياض مطلع الشهر المقبل.
بدأ مؤتمر فيينا وانتهى، على عكس ما كان يتوقّعه اللاجئون الفلسطينيّون في المخيّمات اللبنانيّة عموماً، ونازحو مخيّم نهر البارد المدمّر خصوصاً، على الأقل في ما يخصّ الدفعة الأولى.
122 مليون دولار أميركي هي حصيلة المؤتمر الدولي لإعادة إعمار مخيم نهر البارد والمناطق المجاورة الذي عقد في العاصمة النمساوية فيينا بدعوة من الحكومتين اللبنانية والنمساوية والاتحاد الأوروبي وجامعة الدول العربية والأمم المتحدة، ومشاركة سبعين حكومة ومنظمة عربية ودولية، وممثّلين على مستوى رؤساء الوزراء ووزراء الخارجية والأمناء العامين والسفراء.
«غلة» فيينا، هي غربيّة وأوروبيّة، على أن تعقد الدول العربية اجتماعاً خاصّاً للصناديق العربيّة في الرياض، في الأول من الشهر المقبل للإعلان عن المبالغ التي ستكتتب بها. وبعيداً عن المؤتمر العربي الذي ستتكفّل من خلاله أربع دول عربيّة خليجيّة، هي قطر والإمارات العربيّة المتّحدة والمملكة العربيّة السعوديّة والكويت، بالمساهمة بحدود 50% من نفقات إعادة الإعمار، لا يبدو إلى الآن الرقم الذي تقدّمت به الدول الغربيّة والأوروبيّة مشجّعاً، وخصوصاً أنّ تقرير الأونروا الأخير قد حدّد التكلفة العامّة للإعمار بـ455 مليون دولار.
الاكتتاب جاء بعد يومٍ طويلٍ شهدته أروقة مركز المؤتمرات في القصر الإمبراطوري القديم في العاصمة في هوفبورغ، واختتمته وزيرة الخارجية النمساوية أورسولا بلاسنيك ببيانٍ رأت فيه «أنّ هذا اللقاء يمثّل إعلاناً صريحاً وحازماً بأنّ المجتمع الدولي ليس غافلاً عن مأساة الفلسطينيين»، لافتة إلى «أنّ المجتمع الدولي بإسهامه في إعادة إعمار البارد يسهم في تجديد الوعي بمشكلة اللجوء المتفاقمة، وضرورة الحل الشامل والعادل للقضية الفلسطينية، ويؤكد أيضاً الوقوف إلى جانب لبنان في تصميمه على إعادة بناء دولة القانون والمؤسسات رغم كل الاستهدافات التي تطاله، كما يدعم قرار الدولة اللبنانية بسط سيادتها على كامل أراضيها». كذلك اغتنمت بلاسنيك المناسبة لتؤكد «دعم الأسرة الدولية لتوجهات رئيس الجمهورية اللبناني في ما يتعلّق بمقاربة ملف اللاجئين الفلسطينيين في لبنان، والتي برزت في خطاب القسم، والقائمة على قاعدة احترام أمن لبنان وسيادته واستقراره، وترميم الذاكرة اللبنانية ــــ الفلسطينية، وتحسين الوضع الاجتماعي والاقتصادي للاجئينوبالعودة إلى أعمال المؤتمر، التي بدأت صباح أمس، عقد المجتمعون مؤتمراً صحافيّاً بعد الجلسات المغلقة، بدأها رئيس الحكومة فؤاد السنيورة بكلمة لفت خلالها إلى أنّه «بعد 45 عاماً من عدم وجود الحكومة في مخيم البارد، نجحنا الآن في إعادة السيطرة عليه، وبعقد مؤتمراتٍ كهذه ننجح، بالتعاون مع المنظمات الدولية، في تقديم الدعم الذي يحتاج إليه الشعب الفلسطيني ونحتاج إليه نحن لإعادة إعمار المخيم». وفنّد السنيورة أيضاً المبلغ المطلوب لإعادة إعمار المخيّم الذي يبلغ، بحسب التقرير الأخير 450 مليون دولار، لافتاً «إلى أنّ الجزء الأول من الدعم ستقوم به الدول العربية الأربعة، في حين يغطّي المجتمع الدولي الجزء الثاني منه».
بدوره، شدّد رئيس الوزراء الفلسطيني سلام فيّاض على «ضرورة التوصّل إلى حل عادل وشامل لقضية اللاجئين الفلسطينيين وتأمين حقهم في العودة لإنهاء الشقاء والمعاناة الممتدة منذ ستين عاماً»، مشيراً إلى أنّ ما حصل في البارد كان بفعل استغلال مجموعات إرهابية لواقع هذه المعاناة. كذلك أكّد وقوف السلطة الفلسطينية إلى جانب لبنان، وحرصها على استقراره وسلامته، لافتاً إلى «أن أمن لبنان واستقراره جزء لا يتجزأ من عناصر استقرار الوضع الفلسطيني، وأن الوجود المؤقّت لأبناء الشعب الفلسطيني لن يكون إلا عنصراً إيجابياً في دعم مسيرة الوفاق والوحدة للشعب اللبناني ومؤسساته الدستورية. وأشار، من جهةٍ ثانية، إلى «أنّ منظّمة التحرير الفلسطينيّة تقوم بكل ما بوسعها لتوفير ظروف أفضل لهؤلاء اللاجئين، وسنطلق حملة تبرعات داخل المجتمع الفلسطيني لجمع تبرعات بمبلغ عشرة ملايين دولار».
أمّا رئيسة المفوضية الأوروبية للعلاقات الخارجية وسياسة الجوار الأوروبية بينيتا فيريرو فالدنر فقد أشارت إلى «أنّ المؤتمر ليس فقط لإعادة إعمار مخيم نهر البارد، بل يشتمل على نواح أوسع من ذلك، بحيث إنّ الاتّحاد الأوروبي يفكّر في منح مساعدة بقيمة 45 مليون يورو لإعادة الإعمار، على أنّ هذه العمليّة تتطلّب ضرورة قيام حكومة لبنانية قوية». واستندت فالدنر إلى مناقشةٍ كانت قد أجرتها مع الرئيس السنيورة قبل سنتين في شأن ضرورة تقديم الدعم لإعادة دمج اللاجئين الفلسطينيين في المجتمعات وأهمية تحسين ظروف معيشتهم، لتلفت إلى «أنّه الآن أظن أنّه بعد اتفاق الدوحة سنتمكن من العثور على الحكومة المثالية وإدخال التطورات إلى المخيّمات، بالتزامن مع الرسالة السياسية بالتضامن الحقيقي مع الشعب». وعرضت ما قام به المجتمع الدولي من أجل الفلسطينيين، بدءاً بـ«مؤتمر باريس، حيث قام الاتحاد الأوروبي بتقديم 500 مليون يورو للشعب الفلسطيني لتطوير المجال الاقتصادي والسياسي، كما قدّم بعد انهيار هذا المخيم 20 مليون يورو، واليوم قدّمت شخصياً مبلغ 8 ملايين يورو، ونحن سنلتزم في المستقبل بما سبق أن بدأنا به».
من جهته، رأى الأمين العام لجامعة الدول العربية عمرو موسى أنّ «مؤتمر فيينا هدفه معالجة مشكلة إنسانية، بغض النظر عما نتعامل معه من مشاكل سياسية أخرى، ونحن هنا في محاولة إعادة بناء هذا المخيم للوصول نحو الطريق الصحيح للتعامل مع أوضاع اللاجئين الفلسطينيين، وخصوصاً أنّ بقاء هذا الملف على حاله سيؤثر على مسار التفاوض، ومشكلة اللاجئين الفلسطينيين هي هل سيكون بإمكانهم العودة أو تقديم تعويضات لهم عن عودتهم». ولفت، من الجهة المقابلة، إلى أنّه مع الدعم العربي الذي سوف يقدّم، إلّا «أنّنا نبقى بحاجة إلى مزيد من الدعم المادي».
أمّا ممّثل الأمين العام للأمم المتحدة في لبنان، يوهان فيربكيه، فرأى «أنّ إعمار المخيّم هو خطوة فعالة وإيجابية لإصلاح العلاقات اللبنانيّة مع المجتمع الفلسطيني وتوثيقها، وعلى المجتمع الدولي أن يقتنع بأن اللاجئين الفلسطينيين من حقهم أن يعيشوا بكرامة وحرية، ولكن هذا لا يعني أننا سنقوم بحل المشكلة بشكل إجمالي، ولكن هذه المشكلة يجب أن تحل في إطار اتفاقية سلام شاملة».
وعقب المؤتمر الصحافي الذي عقده المجتعون، أجرى الرئيس السنيورة لقاءً صحافياً عرض خلاله سلسلة مواقف الدولة اللبنانيّة بشأن مصير اللاجئين الفلسطينيين في المخيّمات، فأجاب، ردّاً على سؤال عمّا إذا كان هناك سيناريو دولي لبناني جديد لإعمار مخيم نهر البارد، أنّ «لبنان في الواقع يتعاون مع الأسرة الدولية من أجل إعادة إعمار المخيم بما لا يؤدّي إلى التوطين على الإطلاق، لأن هذا الأمر محسوم تماماً بين اللبنانيين جميعاً، وهو جزء من الدستور، وليس هناك من مخطّطاتٍ أبداً سوى المساعدة والإعمار».
وعمّا إذا كانت النزاعات التي حصلت في شمال لبنان ستؤثر في مشاريع إعادة الإعمار وعلى الأمن في المنطقة، أكّد السنيورة «مقولة الرئيس ميشال سليمان في خطاب القسم، من أنّنا نرفض استخدام السلاح في مثل هذه النزاعات، ونعمل كل ما في وسعنا لإنهائها».
وعن رفضه اقتراح إسرائيل الدخول في مفاوضات مباشرة معها، شدّد السنيورة على «أنّ لبنان يدعم فعلاً مبادرة السلام العربية التي اتفق عليها العرب في قمة بيروت عام 2002، إلّا أنّ لبنان ما زال محتلاً من إسرائيل، وهناك مناطق ما زالت تحت الاحتلال مثل مزارع شبعا، ولذلك نطلب من إسرائيل الانسحاب بشكل كامل ويطبّق القرار 425، ومن ثم نقوم نحن بتحديد الحدود مع سوريا، كما أنّ الحكومة اللبنانية أبدت استعدادها للدخول في مفاوضات السلام حتى نتمكن من الوصول إلى حل سلمي فعلي وانتهاز فرصة تطبيق المبادرة العربية للسلام».
(الاخبار، وطنية)


هل تسمع أصوات المتضررين ؟

بالتزامن مع انعقاد «مؤتمر فيينّا»، شهدت مخيّمات اللاجئين الفلسطينيين في مختلف المناطق اللبنانيّة اعتصامات طالب فيها اللاجئون بـ«الإنصاف». وفي هذا الإطار، انطلق أول الاعتصامات من أمام المقر الرئيسي لوكالة «الأونروا» في بيروت، الذي دعت إليه الجبهة الديموقراطية لتحرير فلسطين والمنظّمات الديموقراطية الفلسطينية ونازحو مخيم نهر البارد. وطالب المعتصمون المجتمعين في فيينا بالإسراع في إعمار المخيّم وضمان العودة السريعة لأبنائه، كذلك رفعوا إلى المؤتمر مذكّرة عبر الأونروا أكّدوا فيها «أن معالجة مشكلة النازحين تتطلب الإسراع في الإجراءات الميدانية للإعمار عبر تلزيم أكثر من شركة لضمان السرعة في الإنجاز»، مع التشديد على «استمرار العمل بحالة الطوارئ حتى الانتهاء من عملية الإعمار وعودة كلّ النازحين إلى منازلهم الجديدة، وضرورة إيلاء الجانب الاستشفائي الأهمية، وبناء مستشفى تخصصي بكامل الخدمات والتجهيزات في الجزء الجديد من المخيم». ورأت المذكّرة أنّ انعقاد المؤتمر يمثّل خطوة في الاتجاه الصحيح التي ينبغي استكمالها ميدانياً لناحية الإجراءات التي ينبغي اتخاذها تسهيلاً لعملية الإعمار، وخاصّة قضية استملاك أراضي المخيم القديم وتسليمه إلى الأونروا قبل البدء بعملية إزالة الردم.
كذلك اعتصم أبناء مخيم البداوي ونازحو البارد أمام مكتب الأونروا في البداوي، للمطالبة بالإسراع في إعادة إعمار المخيم.
وفي «عين الحلوة»، أطلقت لجنة الدفاع عن حق العودة والجبهة الديموقراطية مشروع إعادة إعمار البارد، تحت عنوان «من أجل إعادة إعمار مخيم نهر البارد كركن أساسي من أركان حق العودة وإفشال مشاريع التوطين». وقد حمّل المجتمعون السلطة اللبنانية والأونروا مسؤولية استمرار مأساة المخيم، داعين الدولة اللبنانية إلى الإيفاء بتعهداتها، كذلك دعوا إلى أوسع حملة تحرك جماهيرية لدعم الأهالي في المخيم بما يعزز وحدة اللاجئين الفلسطينيين وصمودهم بالتمسك بحق العودة وفقاً للقرار 194 وإفشال مشاريع التوطين والتهجير، رافضاً التذرّع بالمسائل التقنية التي تحول دون إعادة الإعمار. وخلال اللقاء، دعا أمين سر اللجان الشعبية في المخيم، محمد هاني الموعد، مؤتمر الدول المانحة لإقرار المبالغ المقدّرة لإعادة إعمار مخيم نهر البارد وإنهاء مأساته الإنسانية، مؤكداً استمرار التحرك حتى إعادة إعمار المخيم.
أمّا اتّحاد لجان حقّ العودة، فقد رأى أنّ إعادة إعمار البارد تمثّل مقياساً ومساهمة حقيقيّة في دعم نضال اللاجئين من أجل حقّهم بالعودة وتكريساً للمواقف المشتركة اللبنانيّة الفلسطينيّة برفض التوطين، داعياً إلى تأليف فريق عمل ثلاثي لبناني فلسطيني دولي للإشراف على عمليّة الإعمار. وكان الاتّحاد قد أعلن خلال اللقاء الذي عقده في قصر الأونيسكو نتائج حملة التواقيع على عريضة العودة، والتي بلغت عشرات الآلاف من الفلسطينيين المنتشرين في مختلف المخيّمات اللبنانيّة.
(الأخبار، وطنية)