القذيفة بمئة دولار... مَنْ بين أهالي التبّانة يستطيع شراءها؟طرابلس ـ عبد الكافي الصمد

أسهم تسارع وتيرة الاتصالات في طرابلس طيلة يوم أمس، في دخول وقف إطلاق النار بين منطقتي باب التبانة وجبل محسن حيّز التطبيق، وبدء تنفيذ وثيقة الشرف التي وقّع عليها أطراف النزاع في منزل مفتي طرابلس والشمال، بعد يوم ماراتوني شهد اشتباكات عنيفة سقط فيها عدد آخر من الضحايا بين قتيل وجريح، وسبّبت خسائر مادية جسيمة.
وكان صباح أمس قد شهد اشتباكات عنيفة واندلاع حرائق في محطات للوقود ومنازل ومحال تجارية، وتحولت المناطق المتاخمة لباب التبانة وجبل محسن إلى أحياء مهجورة، وشهدت خطوط التماس إطلاقاً غزيراً لرصاص القنص والأسلحة الرشاشة، وقذائف الهاون وبـ7 التي تساقطت في أحياء الملولة والمنكوبين ودوار نهر أبو علي وكورنيش النهر والقبة والسويقة، فضلاً عن احتدام المعارك على خطوط التماس التقليدية في شارع سوريا والأحياء والأزقة المتفرعة منه.
وفي حين شاب هدوء حذر أماكن النزاع طيلة ساعات الظهيرة، انفجرت بشكل جنوني محاور الاشتباكات بين الرابعة والخامسة من بعد ظهر أمس، وهو الموعد الذي ضربه الجيش وقوى الأمن الداخلي لدخولهما إلى مناطق النزاع، وقد فسّر ذلك بأنه محاولة أخيرة من المسلّحين لإفراغ ما بحوزتهم من ذخائر، قبل بدء انتشار القوى الأمنية مصحوبة بغطاء سياسي واسع، يقضي بمنع الظهور المسلح واعتقال المخالفين وقمعهم.
وكانت أرتال وآليات عسكرية من الجيش وقوى الأمن قد بدأت منذ الرابعة بعد ظهر أمس بالتوجه نحو محيط مناطق النزاع، مترافقة مع اجتماعات أمنية متلاحقة عقدت في سرايا طرابلس وحضرها ممثّلون عن المتنازعين والمجموعات المسلحة، فيما كانت طريق طرابلس ــــ عكار مقطوعة بالكامل ابتداءً من مستديرة نهر أبو علي، وصولاً إلى مفترق مخيم البداوي، حيث أقام مدنيون حاجزاً كانوا يطلبون فيه من المواطنين عدم التوجه إلى طرابلس عبر الطريق الدولية حرصاً على سلامتهم، ويوجّهونهم نحو طرقات فرعية أكثر أمناً.
في هذه الأثناء بقي تبادل التهم بما حصل بين الأطراف المتنازعين، وسط أخبار حاولت توجيه أصابع الاتهام إلى السلفيين وعناصر من خارج المنطقة موالية لهم، وهو ما نفاه أكثر من مصدر سلفي.
عضو كتلة المستقبل النيابية النائب مصطفى علوش أكّد لـ«الأخبار» أن القوى السياسية بأجمعها في طرابلس «طلبت من الجيش أن يتسلّم زمام الأمور، ورفعت الغطاء عن المسلّحين، وحصل اجتماع آخر بين المسؤولين عن المقاتلين، ووقعوا وثيقة شرف تقضي بعدم العودة إلى التقاتل، ومع ذلك لم تتوقف الاشتباكات ليلاً»، موضحاً أن «الحديث عن وجود مجموعات سلفية من خارج طرابلس تقاتل في باب التبانة غير صحيح، بل يوجد سلفيون من أهالي المنطقة يقاتلون دفاعاً عن بيوتهم، ولا قيادة سلفية تقود المعارك فيها، ولا فكر
سلفي».
في موازاة ذلك، أوضحت مصادر معنية في التيار السلفي لـ«الأخبار» أن «الوضع في باب التبانة غير مضبوط، ولا توجد مرجعية موحّدة يمكنها حسم الموقف، على عكس جبل محسن، وما يحصل نعدّه فتنة. أما الحديث عن وجود سلفيين يشاركون في المعارك فهو كذب، إذ لا يوجد تنظيم سلفي مسلّح، لا في باب التبانة ولا خارجها، والحديث عن تورّط السلفيين في المعارك غير صحيح، وإذا وجد أشخاص سلفيون يقاتلون فيها، فهم من أبناء المنطقة، ويدافعون عن أنفسهم وبيوتهم، عدا أنهم يقاتلون تحت قيادة عسكرية ليست سلفية، بل مكوّنة من أمراء الأحياء في المنطقة».
وشددت المصادر أنه «لم يسجل بروز أي شخصية سلفية وإعلانها مسؤوليتها»، لافتة إلى أن «الهدف من الإعلان عن مشاركة السلفيين في الاشتباكات هو إما لتشويه سمعة السلفيين، وإما لتخويف الطرف الآخر، والأخبار والشائعات تُتناقل دون أي رادع وعشوائياً».
في هذا السياق، قال رئيس مجلس أمناء وقف التراث الإسلامي الشيخ صفوان الزعبي أن «ما يجري في باب التبانة وجبل محسن من اشتباكات يستنزف قدرات الطرفين ولا يخدم أحداً، وهي اشتباكات يفتعلها الزعران في كلا الطرفين، ويستثمرها السياسيون، والحل هو في تدخل الجيش وانتشاره فوراً، وحسمه الوضع، لأنّ معظم أمراء الحرب في المنطقتين ممسوكون بطريقة من الطرق».
من ناحيته حمّل أمين سر وقف إقرأ الإسلامي الشيخ بلال دقماق «التصريحات الاستفزازية لمسؤولي حزب الله مسؤولية تدهور الأوضاع الأمنية في طرابلس»، داعياً رئيس تيار المستقبل النائب سعد الحريري إلى أن «يسعى بقوة لإنقاذ إخوانه من أبناء طائفته الموجودين داخل السجون»، متسائلاً: «لماذا عندما يُدعى الجيش للتدخل في حوادث بيروت وطرابلس لا يفعل، بحجة عدم التسبب بانقسام الجيش؟ لماذا لم ينقسم الجيش خلال حوادث الضنّية ومخيم نهر البارد؟».
في المقابل، قال المسؤول في الحزب العربي الديمقراطي رفعت عيد: «مع أن الاجتماع عند المفتي توصل إلى تهدئة، فإن أهالي باب التبانة، كما قالوا، رفضوها». وأوضح عيد أن «5 أشخاص لقوا حتفهم في الجبل، عدا بعض الجرحى»، وتساءل: «يقولون إن منطقتنا ترسانة أسلحة، فمن أين أتت كل هذه الأسلحة والقذائف التي تنهال علينا؟»، مضيفاً: «بالنسبة إلينا نحن باقون في منطقتنا، ولكن إذا حاول أحد دخول بيوتنا فلن يكون مسروراً».


مجموعات وأسلحة

أكدت مصادر معنية في مجموعات المسلّحين داخل منطقة باب التبانة، أن «هناك مجموعات من المسلّحين لا يمون أحد عليها في المنطقة، كالسلفيين، عدا اندفاع معظم شبان المنطقة للدفاع عنها إذا وقع خلاف بينها وبين الجبل، ودون انتظار أية أوامر».
وإذ لفتت مصادر المجموعات المسلّحة إلى أنه «لا وجود لمحاولات جدية للتهدئة، وأن اتصالات الضباط العسكريين مع المسلّحين وقادتهم لا تجدي، بل اتصالات السياسيين أجدى»، أوضحت أن «سياسيين يموّلون مسلحين من تحت الطاولة لشراء أسلحة وذخائر، من أجل أهداف سياسية وانتخابية. إن سعر قذيفة بـ7 نحو مئة دولار، فمن يستطيع من أهالي باب التبانة الفقراء شراءها؟»



صراع الفقراء

لم يسهم مرور أكثر من 30 سنة على اندلاع نزاع باب التبانة وجبل محسن في دفع أحد في طرابلس والحكومة لإيجاد سبيل للتفاهم بين المنطقتين، يمكنه أن يكون أساساً ومخرجاً مناسباً من أزمة تستولد نفسها عند وقوع أي مشكلة.
وإذا كان النزاع بين باب التبانة التي يقطنها نحو 70 ألف نسمة، والجبل الذي يسكنه قرابة 40 ألف شخص، هو في الأصل سياسي، فإنّه تحول لاحقاً إلى صراع مذهبي سنّي ــــ علوي، مع بقائه صراعاً بين فقراء يعيشون في منطقتين تعدّان الأفقر في طرابلس والشمال، إن لم يكن لبنان، قبل أن تنضم إليهما مناطق فقيرة أخرى مثل القبة والمنكوبين وغيرهما.