إبراهيم الأمينيقول وليد جنبلاط لمقربين منه أو لسعد الحريري إن المهم الآن هو منع توسع دائرة التوترات الأمنية، وإن تسوية حول الحكومة وإفساح المجال لترميم الوضع السياسي للموالاة أفضل من الركون إلى مواجهات متفرقة لن تغيّر في واقع الأمر السياسي. وكلما حصلت مواجهات أمنية سواء في بيروت أو البقاع أو الشمال، يبادر جنبلاط إلى التواصل مع الحريري وشخصيات أخرى، ومع الرئيس نبيه بري وقيادات عسكرية للعمل على احتواء الموقف. وهو في هذه الحالة يقوم بما عليه في المناطق الخاضعة لنفوذه، حيث يشرف على متابعة الأوضاع الكفيلة منع تجدد المواجهات مع حزب الله في منطقتي خلدة وعاليه. كذلك لا يريد أي نوع من المشكلات الصغيرة أو الكبيرة، لا مع أنصار طلال أرسلان ولا مع أنصار وئام وهاب ولا مع أنصار الحزب السوري القومي الاجتماعي. وهو يطلب من محازبيه الابتعاد عن دوائر التوتر، ويدعوهم إلى خلق آليات تواصل مع الآخرين، ويتكل على الجيش والقوى الأمنية لمنع أي احتكاك من شأنه توتير الأوضاع.
العكس تماماً يفعله الآخرون، ولا سيما الفريق المحيط بسعد الحريري. ليس الأمر رهن مزاجه فقط، بل رهن تبدلات كثيرة حصلت ميدانياً. وإذا كان الكل يعرف أن السلفية الجهادية التي ترى في الشيعة خصماً لها في ميادين عدة، تنشط الآن لاحتلال دور إضافي بعد الضربة التي تعرّض لها المستقبل، فإن ذلك يقوم على قاعدة رفع سقف المواجهة مع حزب الله، ولكن كذلك على شنّ حملة من هذه المجموعات ضد الحريري وتياره من زاوية أن سعد «علماني قليل التديّن، ومنحاز إلى أهواء الدنيا وحاجاتها أكثر من إرضاء ربه». وهذا على الأقل ما يختصر المناقشات داخل هذه المجموعات منذ حوادث أيار الفائت. وقد أظهرت المناوشات العسكرية في البقاع والشمال عدم قدرة الحريري وفاعلياته السياسية ولا حتى الأمنية على ضبط حركة كل هذه المجموعات.
وإذا كان مطلوباً من حزب الله المبادرة مرة تلو الأخرى للتأكيد أن المواجهة تخص تيار المقاومة في لبنان وفلسطين والعراق ولا تستهدف قوى معينة على أساس طبيعتها الاجتماعية أو الدينية، فإن الأمر لا يستقيم من طرف واحد. وإصرار الحريري وأنصاره على عبارة «نريد اعتذاراً عما جرى في بيروت»، والتعبئة القائمة ضد حزب الله من باب خلفيته الدينية، كل ذلك لا يساعد في خلق مناخ أفضل، بل يعزز الاقتناع بأن التيار السلفي سوف يكون مرشحاً بصورة أكبر وأسرع لوراثة الحريري حيث أمكن.
كثيرون يعتقدون أن تأليف الحكومة سيمهّد لانفراج من النوع الذي يخفف الاحتقان، لكن الصورة قد لا تبدو على هذا النحو. باعتبار أن قرار فريق 14 آذار خوض الانتخابات النيابية منذ الآن، يتطلب حفلة توتير في كل لبنان: سنّة ودروز ضد الشيعة عن المسلمين، وكنيسة وأصولية مسيحية (القوات اللبنانية) ضد العماد ميشال عون والتيار الوطني الحر. وهو أمر يتطلب في بعض الأماكن، على ما يبدو، مواجهات تتجاوز حدود الكلام، وخصوصاً أن الجميع يعرف منذ الآن أنه لن تكون هناك معركة انتخابية في مناطق بيروت ذات الغالبية الإسلامية، كذلك الحال في بعض مناطق الشمال والبقاع، وحتى في صيدا، مما يعني أن الحريري محقّ في التخوف من أن تؤدي معركة انتخابية هادئة في هذه المناطق إلى إظهار ضرورة حصول مراجعة منطقية لما آلت إليه الأوضاع في ظل قيادة الحريري. كما أن هدوءاً جدّياً على مستوى الشارع سوف يبرز إلى العلن وجهات نظر من نوع مختلف في القواعد السنّية وحتى لدى وليد جنبلاط، بمعزل عن النتائج الانتخابية المتوقعة. لكن الحريري يعرف أن طرابلس، مثلاً، يمكنها أن تشهد مواجهة قاسية تخرجه من اللعبة إذا تحالفت في وجهه قوى مثل الرئيس نجيب ميقاتي والوزير محمد الصفدي والرئيس عمر كرامي، بينما لا يجد هو سبيلاً إلى كسر هذا الاحتمال إلا من خلال افتعال معركة لأهل طرابلس مع الحيّ العلوي فيها، وهو أمر يتطلب اللجوء مرة جديدة إلى الفقراء الذين تنتشر بينهم الجماعات السلفية انتشاراً واسعاً.
وإذا جرت مراجعة ذات طابع أمني للحوادث المتنقلة من البقاع إلى الشمال، فإن الواضح هو تورّط هذه المجموعات في إشعال النار، لا بل إن لدى أجهزة أمنية رسمية موالية أو محايدة المعلومات الكافية عن هذا التورط الذي يتجاوز لبنان ليلامس عواصم خارجية، ولا سيما منها العواصم العربية الراعية لفريق 14 آذار.
لكن الجديد في هذا السياق هو الموقف السعودي الذي لم يكتف برفض التعامل مع الحوادث الأخيرة في لبنان باعتبارها نقطة تحوّل، فأصرّ على موقفه المختلف بقوة مع قوى المعارضة في لبنان وعلى خصومة تلامس سقف العداء مع سوريا وتوتر هو الأعنف مع إيران، إلا أنها بادرت هي ومن تلقائها إلى مراجعة تتعلق بقيادة السنّة في لبنان. ويكشف مسؤول بارز في سنّة المعارضة أن السعودية هي من يحمل الآن لواء «توحيد أهل السنّة». ويتحدث عن اتصالات لم تأخذ بعد طابع المحادثات الرسمية لأجل إيجاد نقاط تقاطع بين عدد من الشخصيات السنّية الموالية والمعارضة بغية جمعها في لقاء واحد، وهو الأمر الذي يستند إلى معطى لدى السعوديين يقول إن السنّة في لبنان يعيشون الآن حالة غليان هي أقصى ما يمكن الوصول إليه ضد سوريا وقوى المعارضة كافة، وعلى رأسها حزب الله والشيعة.
ويبدو أن السعودية التي تريد «جمع السنّة خلف موقف يعادي الشيعة»، ترى أن ذلك ممكن مقابل تخلّيها عن شرطها السابق بـ«جمع السنّة خلف الحريري». وهي من أجل تحقيق هذا الهدف سوف تطلب من الزعيم الشاب أن يخفف قليلاً من وطأة احتكار القرار، وأن يفهم كون أمور كثيرة ستوكل إلى آخرين. وربّما كان هو أول من تلقّى الإشارة بقرار بقاء الرئيس فؤاد السنيورة في منصبه.