هيثم خزعلانتهى العام الدراسي، وبدأ تلاميذ المدارس التحضير لمشاريعهم الصيفية، كل بحسب إمكاناته. ها هم يستقبلون العطلة بقصور أحلام شيّدت مع بدء العد العكسي لنهاية روتين أيام الدراسة.
«وأخيراً انتهينا من صراخ معلّمة الفرنسي»، يقول جاد، التلميذ في الثامن الأساسي، معرباً عن فرحته بانتهاء العام الدراسي. جاد الذي أنهى امتحان آخر السنة، يستعدّ لتمضية العطلة الصيفية في قريته الجنوبية بعيداً عن حرّ بيروت. أما والد جاد فوعده بأن يبتاع له حاسوباً نقّالاً إذا نجح، فيما وعدته أمه بالسماح له بأن يهاتف حبيبته ميرنا يومياً وترك الحرية المطلقة له للتصرّف «صار فيي أعمل شعري سبايكي».
أما علي، التلميذ في الصف السابع فيقول بحسرة: «ليت العام الدراسي لم ينته»، إذ لم تشفع لعلي سنّه الصغيرة ولا تعب العام الدراسي ليأخذ قسطه من الراحة الصيفية الموعودة. وما إن أنهى العام الدراسي حتى بدأ العمل في فرن للمعجنات.
يشتم علي حظه ويتساءل عن ذنبه كي يمضي الصيف عاملاً في فرن، فيما يتمتع رفاقه بهواء القرى وينتشي آخرون بلذة السباحة. يستيقظ علي في الخامسة صباحاً ويتجه إلى مكان عمله بثياب رثة، يمضي ثماني ساعات من العمل المتواصل يومياً ليحظى آخر الأسبوع بمبلغ عشرين ألف ليرة يعطيها لأمه، «ماما عم بتصمد المصاري بقجة لجمع القسط». لا مكان للحب في يوميات علي، ولا وقت لديه للاعتناء بمظهره أو تسريحة شعره.
«ولى قهر الأساتذة ليحل مكانه قهر رب العمل»، يقول علي الذي يشير إلى أنّ صاحب الفرن لا رحمة لديه ولا يتورّع عن صفعه في بعض الأحيان، بتفويض من والده، إذا أخطأ. وهو إذ يشكو لأمه تجيبه «من أبكاك بكى عليك ومن أضحكك ضحك عليك».
أما أبو علي فيشرح قسوته على ابنه، «علي كبير إخوته ومن الضروري أن يعتاد مصاعب الحياة كي يصبح رجلاً مسؤولاً في يوم من الأيام. الحياة ليست أوراقاً وكتباً فقط، إنّها تجربة قاسية، ومن لا يتجرع مرارتها صغيراً لا طاقة له لإكمالها في ما بعد». ويؤكد الوالد أن كثيرين من حملة الشهادات الجامعية قاصرون على مواجهة الحياة، فيما يتقن كثير من الأميين طريقة تحصيل لقمة العيش.