أنطوان سعديجمع مراقبون مستقلون وقريبون من المعارضة والموالاة أن لبّ الأزمة الحالية هو في أسلوب تعاطي مختلف الأفرقاء مع ما جرى خصوصاً في بيروت من أحداث في الثامن من أيار الماضي. فمن جهة، ترى المعارضة ـــــ وفي مقدمها حزب الله ـــــ أن ثمة توازنات كرسها اتفاق الدوحة، كلّفتها ثمناً باهظاً، ولا سيما على مستوى نظرة العالم العربي والإسلامي إلى دور المقاومة الإسلامية في لبنان، ومن الواجب أخذها بالاعتبار.
وبكلام آخر مقابل الثمن الغالي المدفوع لا بد من ثمار مفترضة يجب أن تحصل عليها المعارضة، وبخاصة حزب الله الذي لديه مجموعة مطالب هي في نظره ضمانات ضرورية وحيوية بالنسبة إلى دوره في المعادلة المقبلة، وبخاصة في ظل الأنباء عن تقدم المفاوضات السورية ـــــ الإسرائيلية.
ومن جهة ثانية، تبدو أوساط الموالاة، وبخاصة تيار المستقبل، غير قادرة أو في شكل أدق، غير راغبة في تجاوز محطة أحداث بيروت.
وهي ترى أن حزب الله لم يدفع بعد الثمن المطلوب مقابل حصوله على الثلث المعطل، ومقابل حرمان تيار المستقبل عدداً غير قليل من المقاعد النيابية في بيروت والشمال. وبالتالي، فإن الموالاة تعلن التزامها تنفيذ أحكام اتفاق الدوحة، لكنها في العمق، وبحسب الأوساط القريبة منها، تعمل على أمرين: الأول جعل الأمور صعبة على حزب الله وحلفائه من خلال ترشيح الرئيس فؤاد السنيورة، الخبير في مواجهتهم، والمتمتع بصفات الجلمود الذي لا يتأثر بما يقومون به، ومن خلال متابعة محاولات إحراجهم في الأوساط العربية والإسلامية. والأمر الثاني قطع الطريق على ما تعتبره محاولات من حزب الله رامية إلى وراثة الوصاية التي كانت سوريا تمارسها على لبنان من خلال الاحتفاظ بالكلمة الفصل في ما خص التعيينات في المواقع الأساسية في الإدارة والأمن.
وتنطلق الأكثرية من مسلمة أن أفضل ما عند حزب الله قدمه في أحداث الثامن من أيار، ولم يعد لديه ما يهوّل به أكثر من ذلك.
وتتساءل أوساط فاعلة فيها: «ماذا بإمكان الحزب أن يفعل بعد؟ إنه يدري جيداً حجم الصعوبات التي يعانيها من جراء الاجتياح لبيروت. فهل لديه أمر آخر؟». وتضيف هذه الأوساط: «إن ما تحاوله القوى المعارضة في البقاع لن يجديها نفعاً، ولا سيما على مستوى السيطرة على الطريق الدولية المؤدية إلى المصنع أو إفهامنا أن لإقدام القوى المناصرة لنا على قطع هذه الطريق ثمناً باهظاً».
وتستنتج أن على حزب الله أن يعرف أن من مزايا تركيبة لبنان الطائفية هي أن لا مجال لفريق أن يخضع فريقاً آخر، وبخاصة إذا كانت لكل منهما صبغته الطائفية. وإذا كان ثمة درس للاعتبار به، فهو الثورة المضادة التي قام بها حزب الكتائب وحلفاؤه في نهاية أيلول 1958 لقطع الطريق على «الثوار» كي لا يقطفوا «ثمار الثورة».
وكانت النتيجة أن المعارضة التي كانت قائمة ضد الرئيس كميل شمعون والتي وجدت نفسها منتصرة، اضطرت لأن تتعامل مع حلفاء هذا الأخير على قدم المساواة وتقبل بما قسمه لها الرئيس فؤاد شهاب من دور وتأثير في المعادلة الشهابية التي ظلت قائمة حتى عام 1968.
غير أن السؤال الذي يطرح نفسه تلقائياً هو: ماذا تركت الأطراف السياسية لرئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان من مقدرات لكي يؤدي الدور الذي أداه الرئيس شهاب؟ فاتفاق الدوحة حجّم حضوره في مجلس الوزراء إلى حد مخزٍ، والأكثرية من خلال الرئيس المكلف تضعه أمام خيارات محدودة جداً ولا تستنبط المخارج للعقبات كما يفترض العرف، والمعارضة تنازعه على القليل المحدد له و«تناقره» على تسمية وزير من الوزراء الثلاثة الذين تعود إليه تسميتهم، ولا تطلق يده حتى في اختيار خليفته في قيادة الجيش.
حتى إن بعض المراقبين عبروا عن خشيتهم أن يكون تصعيد المعارضة في موضوع التعيينات في الأجهزة الأمنية موجهاً إليه أكثر مما هو موجه إلى الأكثرية.
أما السؤال الثاني الذي يطرح نفسه، فهو عما إذا كان الرئيس أميناً على القليل الذي أعطي له، ولا سيما في ضوء التعيينات التي أُعلنت في فريقه وفي ظل أدائه وطلاته الإعلامية منذ أدائه خطاب القسم وتسلمه القصر الجمهوري. في الواقع، ليس في البلاد حتى الآن خصوصاً في صفوف المستقلين الذين كانوا يتوقعون الكثير من الرئيس، من يشيد بما بدا من العهد الجديد خلال شهره الأول، وإن كان ثمة من يعتقد أن بعض التعيينات «الجيدة» ستُعلن في بحر هذا الأسبوع. الإنجاز الوحيد حتى الآن هو القمة الروحية أمس، فعسى أن تكون البداية المرجوة.