ثائر غندورعندما تقول أوساط المعارضة إن الرئيسين ميشال سليمان وفؤاد السنيورة مسؤولان عن تقديم تشكيلة حكوميّة مقبولة، تنطلق من قاعدة أن السنيورة هو الرئيس المكلّف وأن هذه أول حكومة في عهد سليمان، وعندما تقول مصادر عونيّة إن وقت التأليف ليس مفتوحاً، وإن الرئيسين مسؤولان عن التعطيل، وإنهما شرعا في «دخول المرحلة الحمراء وسنعتبر أنهما يخرّبان اتفاق الدوحة»، وإن المعارضة لن تبقى «مكتوفة»، لأنها انتخبت رئيس الجمهوريّة على أساس تشكيل حكومة الوحدة الوطنيّة، وهي لا تريد حالة اللااستقرار التي تستفيد منها الموالاة.
عندما يتناهى هذا الكلام إلى شخصيات وسطى يرتفع عندها مستوى الحذر والخوف على مصير اتفاق الدوحة، ومصير البلد حكماً. وتشير إلى ما يحصل ميدانياً ودموياً. ارتفع منسوب المذهبيّة ووصل إلى ما فوق المقبول أو الممكن السيطرة عليه، والشارع مفتوح على تدخّلات من هنا وهناك، قد تشعل الوضع كما حصل شمالاً، وعندها «لن يعود أحد قادراً أن يسيطر على المسلّحين، وهذه تجربة عشناها في الحرب الأهليّة». وفي رأي هذه الأوساط أن النائب سعد الحريري قد استدرجه بعض المحيطين به «وأبناء البلد» إلى بناء ميليشيا تُدافع عن السنّة، لكنها أثبتت فشلها، وهو لم يعد يستطيع تكرار التجربة.
من جهة أخرى، ثمّة مكلّف تشكيل حكومة تشبّهه الشخصيّة الوسطى بالرئيس الياس سركيس. يروح ويجيء بين أقوى منه. يُضاف إلى ذلك عدم قدرة النائب الحريري على السيطرة على جمهوره، وارتفاع حدّة الثقة بالنفس و«الفوقيّة» عند بعض مسؤولي حزب الله، الذين يتوهّمون أن بإمكانهم حكم البلاد، «ويُطالب بعضهم باستكمال العمليّة العسكريّة والسيطرة على لبنان كله».
من هنا التخوّف على الوضع الداخلي. إذ لم يعد هناك حكماء بين السياسيين. ولكن من يستطيع عرقلة تنفيذ اتفاق الدوحة بما يُمثّله من تقاطعات إقليميّة ودوليّة؟ تُجيب الشخصيّة عن هذا السؤال بحجّتين: الأولى أن الاتفاق جاء في لحظة كان لبنان ينزلق معها صوب العرقنة، وبالتالي كان المطلوب منه وضع حدٍ لهذا التدهور، مما يعني أن الاتفاق لم ينقل الحياة السياسيّة من حالة إلى أخرى. الثانية هي العنصر الإسرائيلي. وفي رأي الشخصيّة أنه لا يُمكن فصل الدور الإسرائيلي عن الأميركي، وأن إسرائيل لا بد أن تشن حرباً على إيران، رغم ما يُقال خلاف ذلك، وبالتالي من مصلحة إسرائيل أن تكون حربها على إيران بينما ينشغل حزب الله بمتاهات الداخل اللبناني. كما ان الصراع الإيراني ـــــ السعودي بدأ ينفجر بشكل أكبر في لبنان، إذ شرع حزب الله يُهاجم المملكة (في إشارة إلى كلام مسؤول العلاقات الخارجيّة في حزب الله نوّاف الموسوي الشديد اللهجة). وترى هذه الشخصيّة أن كلّ ما تفعله المملكة هو «مساعدة الأكثريّة لحماية لبنان من النفوذ الإيراني». وتدافع الشخصيّة عن المملكة التي لم يسمع أحد من سفيرها في لبنان عبد العزيز خوجة «أي كلام تحريضي ضدّ الشيعة». ويتشعّب الحديث. لكنّه يصل دائماً إلى النهاية ذاتها: البلد في خطر، وإمكان الخروج من الأزمة أصعب من الأمس لكنّه أسهل مما سيصير في الغد. بعد حرب تموز كان يُمكن بناء الثقة بين النائب الحريري والسيد حسن نصر الله. لكن الأمر لم يحصل.