نقولا ناصيفيعتقد معاونون قريبون من رئيس الجمهورية ميشال سليمان، عملوا إلى جانبه في قيادة الجيش، أن انتخابه بعد توقيع اتفاق الدوحة في قطر طمأنه إلى المرحلة الأولى من عهده حتى أوان الانتخابات النيابية ربيع 2009. وكان في ظنّ الرئيس أن الاتفاق شكّل مظلة عربية ودُوَليّة لانتخاب لم يقتصر على تأييد المرشح التوافقي فحسب، بل أيضاً الخطوات الأولى من العهد، بدءاً بتأليف أولى حكوماته إلى حين استقالتها بعد انتخابات 2009. وهذا ما برّر وجهة نظر سليمان، إبان القيادة، باستعجاله تارة إجراء الاستحقاق الرئاسي به أو بسواه، وبتلويحه طوراً بالتخلي عن قيادة الجيش والذهاب في إجازة طويلة تسبق إحالته على التقاعد. كان يدرك حينذاك، يقول معاونوه هؤلاء، أن من الصعوبة بمكان إجراء انتخابات الرئاسة من دون تطور أساسي يحمل الأفرقاء المعنيين بالأزمة على الجلوس إلى طاولة الحوار لإنجاز مخرج حقيقي لتلك الأزمة، الأمر الذي حققه اتفاق الدوحة. وهو المبرّر الذي أشعر رئيس الجمهورية أيضاً بانطلاق عهده، حتى قبل أن يبدأ، عندما لمس الضغط العربي والدولي الذي رافق مداولات الدوحة لفرض اتفاق لبناني ـــــ لبناني، ثم التأييد الذي لاقاه الاتفاق بعد إقراره، فالالتفاف العربي والدولي حول المرشح التوافقي ساعة انتخابه.
لكن ذلك كلّه تبدّد دفعة واحدة على نحو فاجأ رئيس الجمهورية، عندما عاد الأمر إلى يدي الموالاة والمعارضة في المرحلة التالية لتكليف الرئيس فؤاد السنيورة تأليف «حكومة الوحدة الوطنية». وبدا عندئذ أن الأزمة عادت إلى ما كانت عليه قبل إقرار اتفاق الدوحة.
بيد أن هذه الانطباعات التي لمسها المعاونون إياهم من رئيس الجمهورية، قرنوها بتذمّر راح يعبّر عنه من جراء عدم تعاون الأفرقاء اللبنانيين معه حيال تأليف الحكومة الجديدة، وذلك من خلال ملاحظات أبرزها:
1 ـــــ أن الموالاة والمعارضة يقاربان تأليف الحكومة وكأنهما وحدهما المعنيان بها، والطرفان الوحيدان اللذان يتعيّن اقتسامهما الحصص الرئيسية للسيطرة على مجلس الوزراء، سواء بتسجيل نقاط أحدهما على الآخر في المكاسب السياسية التي يحصل عليها في التشكيلة الحكومية الجديدة، أو من خلال استئثاره بالحقائب الأهم والأكثر فاعلية. وهو أمر ينطوي، في رأي المعاونين أنفسهم، على أن فريقي النزاع لا يحتكمان إلى رئيس الجمهورية، ولا يسلّمان بموقعه المتوازن. وإذا بالمعارضة تريد أن تنتزع من الموالاة ما تتشبّث به هذه وكأنه حق نهائي لها، كرّسته حكومة 2005 التي أتت بها ظروف سياسية انهارت أخيراً انهياراً تاماً.
نتيجة لذلك، لا يعطي الطرفان رئيس الجمهورية ما قد يختلفان عليه بغية تجاوز المأزق الحكومي، بل لم يعد كل منهما يكتفي بالتمسّك بشروطه، بل أيضاً بمساومة الرئيس على ما يريد الحصول عليه. وهي حال حقيبة الدفاع الوطني. تريدها الموالاة لسليمان، لأن الوزير الذي سيرأسها، وهو الياس المر، محسوب عليها، فتكون الموالاة بذلك قد حصلت على حقيبة سيادية ثانية، بعد المال، على نحو غير مباشر. وترفض المعارضة في المقابل توزير المرّ في هذه الحقيبة للسبب نفسه، وفي أبسط الأحوال ربط موافقتها عليه بكلفة باهظة تكبّدها لقوى 14 آذار. أما رئيس الجمهورية الذي نجح في تحييد حقيبة الداخلية عن هذا التجاذب، فإن موقفه من الحصول على حقيبة الدفاع الوطني لوزير يعدّه قريباً منه ويحظى بثقته، لا يجاري أياً من الفريقين في مبرّراته. مع ذلك أصبحت هذه الحقيبة عقبة رئيسية في الأزمة الحكومية، بينما نأت الموالاة والمعارضة بالحقائب التي تتشبّثان بها عن السجال والخلافات كالمال والخارجية والعدل والاتصالات والإعلام والعمل والصحة والزراعة.
2 ـــــ رغم اطلاعه الدقيق على وقائع مداولات الدوحة في أثناء انعقاد المؤتمر، لم يكن سليمان طرفاً مفاوضاً فيه شأن زعماء الموالاة والمعارضة الذين أرسوا عناصر الحلّ هناك ووقّعوه. ولم يكن ذلك موقع القائد السابق للجيش في اتفاق بنيت عناصر التسوية فيه على انتخابه رئيساً للجمهورية، ونيط به هو أن يكون راعي تنفيذ الاتفاق والتفاف الأفرقاء المتخاصمين من حوله. مع ذلك اكتفى سليمان بالحصة التي قرّروها له في الدوحة، ضمن سلة التفاهم التي كان قد أرساها ميدانياً توازن القوى الجديد المنبثق من أحداث 5 أيار. وكان أبرز مكاسبه حصول المعارضة على الثلث الزائد واحداً في مجلس وزراء الحكومة الجديدة.
كان رئيس الجمهورية، يضيف معاونوه القريبون، يفضّل لو أن الاتفاق في الدوحة على توزيع الحصص الوزارية كان مثالثة بين الموالاة والمعارضة ويكون هو الطرف الثالث معهما، أو لو أن الاتفاق لم يعطه أي حصة في حكومة الوحدة الوطنية وأبقاه خارج تقاسم مقاعد الحكومة. وكان أي من هذين الاقتراحين، في رأي رئيس الجمهورية، سيساعد في التوصّل إلى تأليف الحكومة الجديدة، إما لأن الحصة الكبيرة لرئيس الجمهورية كانت ستجعله يحصد الحقائب الأكثر افتعالاً للنزاع، وإما لأن الفريقين الآخرين كانا سيتقاسمانها، الأمر الذي لم يحصل. وإذا بحصة الوزراء الثلاثة تضاعف خلافات الطرفين. مع أن الرئيس يتفهّم دوافع تمسّك الموالاة بالحقائب التي بين يديها الآن، ويتفّهم كذلك موقف الرئيس ميشال عون الذي يترأس ثاني أكبر كتلة نيابية في مجلس النواب بعد تيار المستقبل وأكبر كتلة نيابية مسيحية، في مطالبته بحقيبة سيادية وأكثر من حقيبة أساسية شأن ما أعطي تيار المستقبل في حكومة 2005، وما سيعطى في الحكومة الجديدة.
وبحسب ما يشير إليه معاونو الرئيس، فقد تخلى عن حقيبة لأحد المقاعد الثلاثة (وزير دولة كاثوليكي)، ولم يتردّد في إحدى جولات الاتصالات والتفاوض قبل أيام في مساومة عون على المجيء بوزير محايد يطمئن إليه الأخير في حقيبة الداخلية لقاء توزير المرّ في حقيبة الدفاع الوطني. ولا يكتم المعاونون أن الوزير الماروني الذي يحتفظ الرئيس باسمه سرّاً ـــــ حتى على الرئيس المكلف ـــــ لحقيبة الداخلية سيريح فريقي النزاع، سواء لمواصفاته التي يعرفانها فيه، أو لإلمامه بعمل هذه الوزارة. كذلك يشعر الرئيس بأن لا مبرّر للتوجّس من وجود المرّ على رأس وزارة الدفاع إذا كان الهاجس الفعلي هو تعيين قائد جديد للجيش، لأن الأخير الذي يلتقي طرفا النزاع على تأييده ويُطْمَأن إلى دور الجيش في عهدته موجود بالفعل.