فداء عيتانيتدرك قوى رئيسية في المعارضة أن ما يجري في مناطق لبنان هو جزء من التصارع الانتخابي، وتسخر هذه القوى من موجات التسلّح التي تصيب مناطق في الشمال أو البقاع أو غيرهما، وتتقاطع معلومات هذه الجهة مع معلومات جهات أخرى عثرت لدى تجار أسلحة على كميات كبيرة من بنادق «بومب أكشن» جديدة وذات مواصفات متطابقة، سبق أن كانت مملوكة لشركات أمنية تابعة للأكثرية، وباعها عناصر هذه الأكثرية من تجار الأسلحة الذين راحوا يعرضونها على قوى المعارضة. كما تزعم معلومات أخرى توافر كميات من الأسلحة مختومة بشعار إحدى القوى المسيحية المسلّحة. وفي كل الأحوال فإن القوى الرئيسية في المعارضة تقدم استنتاجها باختصار: «لقد وقع انهيار في قوى الموالاة ولن تقوم لها قائمة على المستوى الميداني، ومن يقاتل اليوم في الشمال ليس إطلاقاً تيار المستقبل الذي نعرفه».
ولا تنحصر المعركة في الشمال، ولا انهيار قوى الأكثرية، فالمعارضة التي تعلم أنها تخضع أيضاً لقانون التشظّي الذي تحدثه الانتخابات النيابية، حيث تتفرق الأطراف بحثاً عن مصالح انتخابية تفرضها طبيعة الانتخابات، توقن في الحين نفسه أن التشظّي الذي سيصيب الخصم من الموالاة سيكون أبعد مدى وأشد تأثيراً. في الجنوب قد تقع معركة حتى في صيدا، إذا «أرادت السيدة بهية الحريري ذلك، وأما إذا لم ترد فستجري الأمور بهدوء، ولدينا هناك ما يطمئننا إلى إمكان خوض معركة جدية وحتى رابحة»، أما البقاع فلن ينجو من معركة جدية، وخاصة في القطاع الغربي. وفي بيروت، وإن كان قد سُلّم الجزء الأكبر من العاصمة إلى سعد الدين الحريري، فإن هناك جزءاً لن يكون له بأي حال من الأحوال. لم يكن تسليم هذا الجزء من خارج إطار ما يسمى اصطلاحاً «المعارضة السنّية»، التي لم تتمكن من أداء دور ذي شأن في معارك السابع من أيار، كما أن الأمين العام لحزب الله وصله من يخبره بأن المعارضين السنّة لا يمانعون في إعطاء بيروت، بحسب التقسيم الانتخابي، إلى تيار المستقبل، فكان أن قال «إذا أرادوا ذلك فليكن»، ولم تأخذ تقسيمات العاصمة نقاشاً كبيراً في مؤتمر الدوحة.
أما في الشمال، فإن أبناء المنطقة الذين خبروها جيداً والمختصون بشؤونها يرون أن إنهاء النفوذ السياسي لتيار المستقبل إنما يتم في عاصمة الشمال، وأن مرحلة تطويب الناس والمرشحين أسرى لدى أسرة الحريري، ولدى رغبات المملكة العربية السعودية قد انطوت. فحتى على مستوى شخصيات كبيرة ومتعلّقة بالمملكة لجهة العمل والاستثمار كالوزير محمد الصفدي أو كالنائب مصباح الأحدب الذي لم يكن من شك إلى الأمس في أنه واقف خلف سعد الحريري، هذه الشخصيات وغيرها ستبحث في الشمال عن دور لها في الانتخابات، وهو دور فقد تيار المستقبل القدرة على توفيره، أضف إليها قوى طرابلسية أخرى يمكنها أن تمثّل عامل استقطاب وتجيير في الشمال، وهي إذا تحالفت أو تواطأت انتخابياً فإنها ستطيح ما بقي من نفوذ للمستقبل في الشمال.
وترى القوى الرئيسية في المعارضة أن مرحلة السيطرة الشاملة للمستقبل على التمثيل السنّي هي قيد البحث حالياً بين السنّة أنفسهم، ولا سيما نواب في تيار المستقبل لن يكونوا في المكان نفسه قبل أسابيع من الانتخابات.
في مسار آخر، ترى جهات في المعارضة أن التحرك الذي فرض نفسه خلال معارك البقاع والشمال، قاعدته السياسية لدى المستقبل هي فرض توتر دون السماح بتفجير واسع، وأن هذه الصيغة تسمح للمستقبل ولقوى الموالاة الأخرى بإعادة تجميع عصبية مذهبية وسياسية فقدتها خلال معارك السابع من أيار، ولكن الانفجار كما حصل في الشمال يؤدي إلى أضرار كبيرة على جسم الموالاة، وقد كانت في هذا السياق مساهمة عدد من القوى في الاشتباك مناسبة لتوريط المستقبل أكثر مما لشحن العصب السنّي. وتشير مصادر معلومات متعددة إلى «نقمة على تيار المستقبل وأحد وزرائه الشماليين في باب التبانة، وخاصة مع انقطاع الإمداد العسكري والغذائي خلال الاشتباكات»، وإن كان السبب هو إقفال الطرق بالقنص من جبل محسن، وترداد أحاديث عن «الشعور بالهزيمة» بعد استعراض الجبل لقدرات نارية عالية «وضرورة الالتفات للعائلة والعمل لأن ما حدث غلطة كبيرة دُفعنا إليها»، إضافة إلى انتشار صور لعمر كرامي مكان صور الحريري.
لا تستبعد المصادر الرئيسية في المعارضة عودة ظهور المال السياسي في الانتخابات وبقوة، وهي تؤكد أن لديها أساليبها الخاصة في مواجهته، وأن المشكلة هي في المشروع السياسي المتهالك للمملكة العربية السعودية من خلف هذه الأموال التي تنتشر بين المواطنين بغية شراء موقع نفوذ، وتضيف: «يكفي حوادث السابع من أيار أنها أتاحت في ساعات تفكيك شبكات أمنية بنيت خلال ثلاثة أعوام» حتى يعرف من يصرف أمواله في لبنان أنها ستذهب هباءً.
وتضيف هذه المصادر أن من بيدهم السلطة اليوم يعتمدون على المال والنفوذ وبعض التقديمات من القوى الأمنية، وأن خروج السلطة من أيديهم سيجعلهم خارج إطار التأثير، وسيحصر استخدام المال بالحصول على الملذات.