غسان سعودقبل أيام، وصلت إلى معراب نتائج استطلاع كلّفت إحدى الشركات، بواسطة السيد أنطوان الشويري، إعداده لحساب القوّات اللبنانيّة. ومقارنة نتائج هذا الاستطلاع بسابقه قبل ثلاثة أشهر تظهر ـــــ على ما يزعم بعض الأوساط ـــــ تراجع القوات اللبنانيّة أكثر من عشر نقاط. ويتقاطع بعض نتائج هذا الاستطلاع مع نتائج أخرى بيّنت أن نسبة التأييد للتيار الوطني الحر ـــــ على ما تزعم الأوساط نفسها ـــــ في أقضية كسروان وجبيل والمتن وبعبدا تراوح بين 39 و43 %، دون حلفائه. فيما لا تتجاوز نسبة التأييد للقوات اللبنانيّة في هذه الأقضية 12%، وهي تصل عند الكتائب في المتن إلى 18%.
من هنا، يصف أحد المراقبين خطاب جعجع أمس بأنه محاولة لإحداث صدمة في المجتمع المسيحي تعيد الأمور إلى ما كانت عليه قبل اتفاق الدوحة. ويشرح القواتي السابق، المرافق عن قرب لأوضاع القوات في هذه المرحلة، أن جعجع نجح منذ مغادرته السجن في تحقيق ثلاثة إنجازات على الصعيد القواتي لا يمكن نكرانها:
• أوّلها، تنظيمي داخلي. إذ أعاد النظر في هذا الأمر بحيث لا يكون محاطاً بمن يضيّعون الوقت بالمماحكات النظريّة، وتجاهل من يتجاهلونه، وركّز على تسليم من يثق بهم مفاصل الحزب الأساسيّة. وأطلق ديناميكية واسعة في كل المناطق، جمّعت الرفاق ووحّدت أكبر فئة ممكنة تحت راية القوات، وخطا الحزب مسافة مهمة نحو انطلاقته كمؤسسة. ويبدو واضحاً أن العمل السياسي في القوات، خلافاً لما هو في الأحزاب المسيحيّة الأخرى، يقوم على روح أشبه بالروح العسكرية، لا من حيث الوظائف بل من حيث الانضباط والجدية والالتزام بتنفيذ التوجيهات قبل الاعتراض.
• ثانيها، سياسي. فالحكيم الخارج من السجن إلى أحضان طبقة سياسيّة، فضّل السجن عليها، دوزن طموحاته، واستوعب بسرعة تحديات المرحلة، وحجمه فيها ودوره. وخلال فترة قصيرة، غالباً ما تفوّق على حلفائه باختيار الخطاب المناسب في اللحظة المناسبة. واستطاع أن يأتي بالقوات اللبنانيّة، دون أي تراجع في الشكل السياسي، إلى المكان الذي يريده ويرتاح إليها فيه حلفاؤها في الوقت نفسه.
• ثالثها، نتيجة تفاعل الإنجازين السابقين، يمكن تصنيف جعجع اليوم كقائد حزب سياسي يشارك، بنسبة ما، في صناعة قرار الأكثريّة النيابية. ويأخذ هذا التصنيف في الاعتبار كون صورة جعجع اليوم، بجهد ضخم من فريقه الإعلامي، هي غير صورته يوم خروجه من السجن. وبات الرجل، اعترف خصومه أو أنكروا، يحظى بحيثيّة سياسيّة لكن يقال، خطأ، إنه لن يحققها إلا بالقوة العسكرية، وقد استطاع أن يقرّب القوات من أهالي الطائفتين السنّية والدرزيّة، ومعظم هؤلاء خاصموا القواتيين وخاصمتهم طويلاً.
هذه الإنجازات رصّت صفوف حزب القوات وعززت وجوده، لكنها لم تنتج بعد حالة شعبيّة ناخبة تسمح للقوات بمزاحمة التيّار الوطني الحر، وهو ما يتأكد لجعجع عند كل منعطف أساسي. ويقول صحافي هو زميل سابق لقائد القوّات، إن عدم شعور جعجع بحرج شعبي تجاه «انتصارات عون الوهميّة»، كما يقول، جعله يتحدث بهذه النبرة القوية دون الأخذ في الاعتبار أن أي تصعيد من قطب ماروني ضد زعيم ماروني قد يلقى صدى سلبياً في بيئة تخشى تشنّجات من هذا النوع وتهجس بكوابيس الحروب المسيحيّة ـــــ المسيحيّة، وتقدِّر من يضع الرماد فوق الجمر لا العكس. فيما يتوقع متابعون آخرون أن يكون خطاب جعجع الأخير مقدمة لسلسلة، قد يكون عون رسم لجعجع معالمها دون أن ينتبه.