النبطية ـ كامل جابرفقد سجل لبنان في عملية ترسيم الخط الأزرق العديد من التحفظات، اختصرت لاحقاً بثلاثة في رميش وعديسة والمطلة. المثير للجدل، هو لماذا لم يطالب لبنان حتى اليوم، وبعد أكثر من ثماني سنوات من ترسيم الخط الأزرق، بمسح الغبار عن تحفظاته الثلاثة، غير مزارع شبعا، ليستعيد ما له من أرض ما زالت في حكم المحتل؟ فأهالي بلدة عديسة في قضاء مرجعيون، ظلوا يشاهدون يومياً الجرافات والآليات الإسرائيلية تقتطع أراضيهم وحقولهم وكرومهم في سياجها المفتعل، متخطية الحدود الدولية المرسومة في الخرائط القديمة، قبل خط لارسن، التي يعرفون تفاصيلها وأسماءها كمعرفتهم لأبنائهم، وظلوا يزرعونها إلى تاريخ الاحتلال المباشر للمنطقة في عام 1978. ولم يزل ممنوعاً على أهالي العديسة، حتى اليوم، الاقتراب، لا من أراضيهم التي أبقت عليها إسرائيل في دائرة احتلالها فحسب، بل إلى مسافة تبلغ عشرة أضعاف المحتل منها.
هنا يكرر السؤال نفسه: لماذا أبقى لبنان الرسمي على تحفظاته على الورق، ولم يذهب إلى الأمم المتحدة للمطالبة بحقه في أرضه المستلبة، كما فعل في قضية مزارع شبعا؟ والأمر عينه ينسحب على الأراضي التي حررها لبنان من القيد الاحتلالي الإسرائيلي في العديسة وهونين (2300 دونم) والعبّاد والمنارة (1840 دونماً) ورميش والعباسية ويارين ونحو كيلومترين مربعين بين حولا وميس الجبل وغيرها، ولم تزل حتى اليوم تحت وصاية الأمم المتحدة التي جعلت لها فيها مراكز وثكنات ثابتة، ومنعت الأهالي وأصحابها من الوصول إليها، بدلاً من إعادتها للمعنيين، إن كانوا مواطنين أو الدولة بحد ذاتها؟
يقول العميد المتقاعد أمين حطيط إن «المنطق المتبع في التعاطي مع مزارع شبعا ليس منطق تحرير بل هو محاولة لإسقاط شرعية سلاح المقاومة؛ وبدلاً من عودة الأرض المحتلة إلى سيادة الوطن الأم، يريدون وضعها تحت الوصاية الدولية، ما يعني تغيير الواقع من احتلال إسرائيلي إلى انتداب دولي، وهذا ليس تحريراً. الكل يعلم أن لبنان قبل عام 1943 كان تحت الانتداب، وكان من حق أبنائه النضال من أجل التحرير والاستقلال، وهنا المسألة تتكرر، والذي يسعى إلى إسقاط كلمة احتلال ليس همه تحرير المزارع، بل وضعها تحت الوصاية الدولية ظناً منه أن خروج المحتل الإسرائيلي يعني سقوط شرعية المقاومة وشرعية السلاح؛ هذا فهم مبسط لأن الانتداب لا يعني تحريراً، هو أقل من التحرير، وهذا يعني الإبقاء على جهوزية المقاومة من أجل استمرار موضوع التحرير، لأن هناك أسئلة عمن يقود مجلس الأمن اليوم، هناك تغيير سوف يحصل بجنسية القوى المنتشرة، لكن الإبقاء على الإسرائيلي بأدوات مختلفة لم يزل حاضراً».
ويضيف حطيط: «البعض عن حسن نية أو سوئها يتجاهل أن مشكلة لبنان في مسائل الأرض مع العدو ليست محصورة في مزارع شبعا فقط، فهناك ثلاث نقاط تحفظنا عليها في ترسيم الخط الأزرق، وهي بمثابة الأرض المحتلة ولم يشملها الانسحاب الإسرائيلي عام 2000 في رميش والعديسة والمطلة؛ وبالتالي إن الخط الأزرق لم نعترف به وهو ليس حدوداً دولية، وهذا يعني أن سيادتنا لم تنفذ، والأرض المتحفظ بشأنها هي أرض محتلة».
هناك مسألتان أساسيتان تبقيان في المواجهة مع إسرائيل بنظر حطيط، منها المياه «وهذا أمر أصبح منسياً عند الجميع. طالبنا بلجنة تحقيق دولية للشفط على مجاري المياه من الخردلي حتى الوزاني، لأن هناك سرقة لمياهنا، والأمم المتحدة تجاهلت الموضوع، ولا تزال هناك أجزاء من المياه مغتصبة بشكل علني أو ضمني. إن حق لبنان في مياه الوزاني لم يستعد بالكامل، لأن إسرائيل تسرق المياه بأنابيب تعبر في الأراضي اللبنانية المحررة وتمنع لبنان من الاستفادة من نصيبه في هذه المياه».
الأمر الآخر، يقول حطيط: الألغام والقنابل العنقودية والأرض المعطلة من جانب إسرائيل التي تمنع حتى اليوم تسليم الخرائط المتعلقة بهذا الأمر».
يضاف إلى ما ذكر «أن بقاء إسرائيل عند الحدود يهدد لبنان، إذ إنه برغم وجود 14 ألف جندي دولي، لم تتمكن الأمم المتحدة من منع الخروق الإسرائيلية، في ميس الجبل وغيرها.
وهناك مسألة اللاجئين الفلسطينيين في لبنان، فاستراحة إسرائيل من همهم سيجعل الحديث عن رفض التوطين نكتة سمجة. وهناك مسألة التدخل المخابراتي الإسرائيلي في الشأن اللبناني، فهي عندما ترتاح من مواجهة المقاومة ستعود إلى تدخلها والإرباك الأمني وزعزعة الاستقرار الداخلي...».