الطابور الخامس» هو الجهة التي يستسهل كل الأطراف اتهامها بالأحداث التي تجري في البلاد. فهل ستكشف الأجهزة الأمنية هذا «الطابور» أم إنها اعتادت طي صفحة الجرائم ذات الطابع السياسي، والتي يدفع المواطنون ثمنها؟
البقاع ــ أسامة القادري

هل قرّر أحد الأطراف نقض المصالحة التي جرت في البقاع الأوسط بين أنصار الموالاة والمعارضة برعاية قيادة الجيش؟ أم أن تفجير محل في سعدنايل وإحراق سيارة مفتش في الأمن العام هو مِن فعل مَن سمّته فاعليات المنطقة بـ«الطابور الخامس»؟ وهل الاعتداء الأخير مرتبط باستهداف «طائفي» لأفراد المؤسسات الأمنية العاملة على معبر المصنع الحدودي، أم أنه ناتج من خلاف فردي؟ أسئلة تصعب الإجابة عنها من دون تحقيق جدّي لا يعلم أحد ما إذا كان سيُفتَح، أو أن ما جرى خلال الأيام الثلاثة الماضية في البقاع ستُطوى صفحته كما جرى مع الحوادث التي أوقعت منذ الأسبوع الأول من أيار عشرات القتلى والجرحى.

ماذا جرى في البقاع الأوسط؟

عند الساعة الثانية عشرة من منتصف الليلة ما قبل الماضية، دوى انفجار في بلدة سعدنايل تبيّن أنه ناتج من عبوة ناسفة صغيرة الحجم استهدفت محلاً عائداً للمواطن حيدر المستراح من بلدة تعلبايا، لم توقِع إصابات. وإضافة إلى الأضرار المادية التي لحقت بالمحل، فإن المصالحة التي أنتجت لجنة من البلدتين والتي تثابر على الاجتماعات العائلية والأهلية لتقريب وجهات النظر، فإن هذه المصالحة تكون قد وُضِعت أمام اختبار جدّي للمرة الأولى.
عضو لجنة المصالحة علي دياب الذي أدان التفجير، رأى أنه «من أعمال الطابور الخامس، لكونه الوحيد المتضرر من حالة الوئام التي سادت البلدتين في الأيام الأخيرة».
الرأي ذاته أدلى به رئيس بلدية سعدنايل عصام الرحيمي الذي دعا الأجهزة الأمنية لكشف الجناة، لأن من شأن ذلك أن يسهم في استقرار المنطقة.

إحراق سيارة في الصويري

بعد ثلاث ساعات على حادثة سعدنايل، وعلى مسافة تبعد نحو 2 كلم عنها، وقع حادث في بلدة الصويري في البقاع الغربي، حيث أحرق «مجهولون» سيارة المفتش في الأمن العام غصوب شومان، وهي من نوع BMW. وعندما حاول إخماد النار هو وأقاربه، تعرّضوا لإطلاق نار ورُمِيَت نحوهم قنبلة يدوية.
شقيقه يحيى شومان قال لـ«الأخبار» إنه «لولا القدرة الإلهية لكنّا في عداد القتلى». أما أسباب الاعتداء فقال شومان إنها معروفة، «وللأسف الموضوع ما بدو مستحى، سنّي ــــ شيعي». وأشار شومان إلى أن مطلقي النار «معروفون بالأسماء، والقوى الأمنية والعسكرية أصبحت على علم بكل التفاصيل، ونحن ننتظر ما سيقوله التحقيق».
«الطابور الخامس» هو أيضاً مَن حمّله رئيس بلدية الصويري ضاهر الصميلي، مسؤولية الاعتداء، معتبراً هذا العمل «اصطياداً في الماء العكر، ولعباً على الوتر الطائفي والمذهبي». وطالب الصميلي جميع الجهات الحزبية والدينية بأن تقف وراء مطلبه باستقدام وحدة عسكرية من الجيش إلى وسط البلدة لتقيم حاجزاً ثابتاً لردع أي عمل مشبوه.
أما مختار البلدة علي شومان، فأشار إلى أن مفتعلي هذه الحادثة «جهات مندسّة تعمل لإشعال الفتنة بين السنّة والشيعة، مع العلم أننا أجرينا مصالحة بين الجميع بإشراف قيادة الجيش». وأضاف: «نترك الأمر للجيش، ومن جهتنا نرفع الغطاء عن أي مسبّب لهذه الحادثة أو غيرها».
مصدر مقرّب من تيار المستقبل أشار إلى أن هناك جهات مشبوهة تعمل في الخفاء وتريد أن تشوّه سمعة التيار «واللعب على الوتر الطائفي». ولفت المصدر إلى أن مجموعة قدمت من خارج البلدة وأضرمت النار بسيارة شومان وأطلقت النار عشوائياً على منازل من الطائفة الشيعية بهدف خلق بلبلة طائفية مذهبية في البلدة».
في المقابل، أكد مصدر أمني أن أسماء مرتكبي الاعتداء معروفة، وأن الأجهزة الأمنية تنتظر الوقت الملائم للقبض عليهم ومعرفة الجهات التي تقف خلفهم. وأشار المصدر إلى أن «هناك أشخاصاً يعملون كخلية واحدة أضرموا النار في السيارة وأطلقوا النار عشوائياً، فيما باشر آخرون بإطلاق النار نحو شومان، ليرمي آخرون قنبلة يدوية أمام المنازل».

مصالحة على المصنع

الحادثة الأخيرة أتت بعد توتر شهدته منطقة المصنع الحدودية بين شبان من بلدة مجدل عنجر وقيادة الجمارك اللبنانية وعناصرها. وقد اختلفت الروايات في شأن أسباب التوتر. فبعض أبناء مجدل عنجر قالوا إن عناصر من الجمارك منعوا 35 صرافاً ومعقّب معاملات من عبور نقطة الجمارك والدخول إلى الحرم الجمركي، مما أثار حفيظتهم. وقد حضرت قوة من مغاوير الجيش اللبناني للفصل بين الطرفين ومنع تفاقم الأمور.
أما الرواية الأخرى فتقول إن شباناً من مجدل عنجر أبلغوا ضابطين من الجمارك بوجوب مغادرتهما مكان عملهما في نقطة المصنع، متهمين إياهما بمساعدة حزب الله في العبور إلى سوريا والعودة منها. وعلى أثر هذا «التهديد»، أبلغ الضابطان قيادة الجمارك واستخبارات الجيش بالأمر، فحضرت إلى نقطة المصنع قوة من الجمارك للمؤازرة، ومنعت هؤلاء الشبان من الاقتراب من مبنى الجمارك، لأن وجودهم عند هذه النقطة غير قانوني، بل هو ناتج من تراضٍ بين أهالي البلدة وإدارة الجمارك في البقاع.
وعلى ضوء ذلك، تكثفت الاتصالات بين فاعليات البلدة وقيادتي الجيش والجمارك، فتم التوصل إلى اتفاق يقضي بمصالحة بين الشبان وعناصر الجمارك منعاً لأي خلاف قد ينتج من الاحتكاك اليومي بين الطرفين.