رامي زريقتتوغّل الشركات والمصارف الكبرى في حياتنا اليومية. تستوعب رجال السياسة، تجعل منهم دمى في أيديها، وتزيح المزعجين منهم. تصنع صانعي القرار، وتنتدب مديريها ليصبحوا رؤساء ورجال دول ورجال حكم. هؤلاء لا ينسون أبداً انتماءهم الأول ويحافظون خلال وجودهم في الحكم على مصالح مؤسساتهم التجارية والمالية، فهي انتماؤهم الأول وهي خط العودة، لأن الجميع يعلم أن عالم السياسة متقلّب ومتغيّر، بينما عالم المال أكثر ثباتاً وربحاً. تكثر هنا الأمثلة، فهذه مثلاً شركة هاليبورتون الأميركية التي وهبت للعالم نائب الرئيس الأميركي ديك تشيني الذي بذل كل جهوده لاحتلال العراق وإعطاء شركته الأم حصة وفيرة من ما يتم نهبه من ثروات الوطن العربي ومن الضرائب التي يدفعها الشعب الأميركي. وها هي المصارف اللبنانية التي أعطتنا خيرة رجالها لإدارة الوطن واقتصاده وسياسته. لذا، لا نستغرب إن كانت إدارة السياسة وخاصة في لبنان، تشبه إلى حد بعيد إدارة الشركات الخاصة: ومن الخصائص المشتركة على سبيل المثال، اعتماد الربح النقدي الصافي مؤشراً أساسياً (وحيداً في أكثر الأحيان) لتقويم عمليات الاستثمار وتنمية القطاعات. وقد يكون هذا على حساب حقوق ورفاهية العمال (أو المواطنين في حال الدولة). وهذا يفسر مثلاً لماذا ترفض الدولة الاستثمار في القطاع الزراعي الذي تراه قطاعاً خاسراً مقارنة مثلاً بقطاع الرقص الشرقي. ومن المعالم الأخرى للدولة/ الشركة الاستناد إلى ما يسمى ببرامج المسؤولية الاجتماعية وهي برامج ابتكرتها الشركات العظمى لتبييض سمعتها من الاتهامات بانتهاك حقوق العمال وتدمير البيئة. ترتكز هذه البرامج على القيام بأعمال خيرية بسيطة تكون كلفتها ضئيلة جداً مقارنة بالأرباح الهائلة التي تحققها الشركة، أما في الدولة، فتتحول برامج المسؤولية الاجتماعية إلى ما يطلق عليه اسم «الوزارات غير السيادية» التي يتسابق الوزراء للهروب منها.