أنطوان سعدتوقفت أوساط مسيحية مستقلّة أمام ما اعتبرته الصحف الموالية «أعنف هجوم» لرئيس الهيئة التنفيذية في القوات اللبنانية، الوزير السابق سمير جعجع، على رئيس تكتل التغيير والإصلاح العماد ميشال عون، متسائلةً عن مغزاه وتوقيته وجدواه في وقت يجدر أن تنصبّ فيه الجهود على استعادة المسيحيين لدورهم في المؤسسات الدستورية والإدارة العامة. وبحسب هذه الأوساط، إذا كان رأب الصدع شبه مستحيل بين هذين الزعيمين اللذين فتحا نتيجة صراعهما الدموي سنة 1990، الباب واسعاً أمام منحى تهميش المسيحيين خلال الأعوام الخمسة عشر المنصرمة، فلا بد من وجود ضوابط لإبقاء التنافس بينهما ضمن حدود معينة. وإذا كانت هذه هي النبرة التي تحكم التنافس بينهما قبل عام من الانتخابات التشريعية، فكيف ستكون عليه الحال مع اقتراب الموسم الانتخابي، ومن ثم العمليات الانتخابية.
وبما أن الانقسام المسيحي في زمن أحادية القطب داخل الطوائف لا مفرّ منه وجزء من المعطيات الموضوعية التي تشكل الواقع السياسي اللبناني، تعتقد الأوساط المسيحية المستقلة بأن ثمة ضرورة للبدء بتحرك برعاية الكنيسة والرابطة المارونية يتخطّى دور الحكم. فلا يقتصر الأمر على الدعوات للتلاقي والتوافق على ثوابت أو ميثاق شرف ولا على استنكار مخالفة هذا الطرف أو ذاك.
وفي إشارة إلى أن كلاً من العماد عون ومسيحيي الموالاة لا يهمّه مما يجري سوى تعزيز حضوره وموقعه في السلطة ودائرة القرار، تلفت هذه الأوساط إلى تساهل كل منهما مع حليفه في أمر التقسيمات الانتخابية. إذ لم يبذل العماد عون المجهود الكافي مع حلفائه لتقسيم محافظة بعلبك ـــــ الهرمل إلى أقضية، لإعطاء الصوت المسيحي في البقاع الشرقي بعض التأثير، وفي المقابل، لم يتمكن الموالون المسيحيون من إقناع تيار المستقبل بتقسيم محافظة عكار ونقل المقعد الماروني من طرابلس ولا بإبقاء المقعد الإنجيلي في دائرة بيروت الأولى ولا في نقل مقعد الأقليات من الدائرة الثانية إلى هذه الدائرة، علماً بأن حظوظ مسيحيي الأكثرية فيها حتى الآن أكبر من حظوظ أخصامهم. فبوجود أقوياء في هذه الدائرة مثل الوزير ميشال فرعون والنائب غسان تويني مدعومين من سلطات كنسية فاعلة في المنطقة لا يمكن للمعارضة حتى أن تخوض معركة ما لم تلجأ إلى وسائل استثنائية. ومع ذلك، لم يقبل تيار المستقبل بهذا التنازل الذي يعزز قوة حلفائه بدلاً من إبقائهم في دائرة الحرج والاتهام الدائم بكونهم غير مؤثرين في قرارات
الأكثرية.
وبدلاً من أن يقدم الوزير جعجع على اعتبار الرئيس فؤاد السنيورة أكثر حرصاً على حقوق المسيحيين من الجنرال عون، كان عليه أن يقنع حلفاءه أولاً بتحسين تقسيم الدوائر الانتخابية في بيروت ونقل المقعد الماروني من طرابلس على الأقل، وثانياً الرئيس المكلف بإسناد وزارتين أساسيّتين له، لا وزارة دولة ووزارة لا تُقدّم ولا تؤخّر، وفق ما رشح عن التركيبة الحكومية العتيدة. فصحيح أن الرأي العام المسيحي يهتم أكثر بموضوع سلاح حزب الله وتحصين سيادة الدولة في لبنان أكثر من اهتمامه بالحصص الوزارية والنيابية، لكنه أيضاً بدأ يقلق من عدم إعادة الأمور إلى نصابها بعدما مضى على انسحاب الجيش السوري من لبنان أكثر من ثلاثة أعوام. ولم يعد بالتالي مشدوهاً بشعارات «لبنان أولاً» و«السلاح فقط بيد السلطة الشرعية»، ولا سيما أنه لا خطوات جدية في هذا المجال وأن كل تطبيع للوضع لجهة المشاركة المسيحية في الدولة معلق حتى إشعار آخر.
فهذا الرأي العام قد يتراجع عن تأييده لطروحات الرابع عشر من آذار المتعلقة بالسيادة الوطنية ما لم تقترن بمعطيات ملموسة على مستوى تحقيق المشاركة الحقيقية في إدارة الشأن العام اللبناني، ولا سيما إذا ما صحّت المعلومات التي تشير إلى أن حزب الله وحركة أمل سوف يتنازلان، تعويضاً عن عدم تمكّنهما من دعم وصول عون إلى بعبدا، عن معظم المقاعد المخصصة للمسيحيين في المناطق ذات الأغلبية الشيعية للتيار الوطني الحر. وفي هذا الإطار بالذات، تضع مصادر مطّلعة انتخاب النائب أسعد حردان رئيساً للحزب السوري القومي الاجتماعي الذي يفصل بين النيابة ورئاسة الحزب، على أن يتم ترشيح اللواء عصام أبو جمرة مكانه. وتضيف هذه المصادر أن هذا المبدأ قد ينسحب على المقاعد الأخرى، وتتساءل: «ماذا سيكون موقف مسيحيي الأكثرية عندما تعلن هذه المعلومات، ولا سيما إذا سبقتها موافقة حزب الله وحركة أمل على إعادة منصب المدير العام للأمن العام للمسيحيين؟ هل سيبقى السنيورة بنظرهم مدافعاً عن حقوق المسيحيين أكثر من العماد ميشال عون؟ وإذا كان بالفعل مدافعاً، فلماذا هناك شكوى؟ وما هو إذاً دور حلفائه المسيحيين؟».