يبدو قضاء المتن أشبه بمجسّم يختصر الجغرافيا السياسية اللبنانية: مواجهات حزبية، أحقاد ماضٍ، تحالفات مؤقتة، صراعات دموية... من هنا، قدرته على اجتذاب الأضواء دائماً. وقد ساهمت التطورات السياسية التي شهدها المتن في تسريع عجلة الاستعداد للانتخابات النيابية. وقد رصدت «الأخبار»، خلال الأسابيع الماضية، انعقاد عدد من الاجتماعات في مناطق متنية عدة، وخصوصاً على صعيدي الكتائب والتيار الوطني الحر، حيث شرع هذان الحزبان في الإعداد لماكينتيهما الانتخابيتين ومحاولة إصلاح الهفوات التي ظهرت في الانتخابات الفرعية الأخيرة، وخصوصاً على صعيد التيار الوطني الحر الذي لن يحصر ماكينته بالملتزمين بالتيّار بل ستشمل من يسمّون «أصدقاء التيّار» الذين نظّموا لقاءً أخيراً مع نواب تكتّل التغيير والإصلاح المتنيين في برمانا...وتشير المعلومات إلى أن التيار الوطني الحر في صدد افتتاح مكاتب له في بعض المناطق المتنيّة، إضافة إلى ظاهرة لافتة حيث تكاد تشهد عطلة نهاية كل أسبوع حفل عشاء أو أكثر لأحد أقسام الكتائب أو مكاتب التيار في المتن. كما يتوقّع أن يشرع النائب ميشال المر في «تزييت» ماكينته الانتخابية، مباشرةً بعد تأليف الحكومة، لينطلق العمل الانتخابي الجدّي مع انتهاء موسم الصيف.
على صعيدٍ موازٍ، تحركت في الشهرين الماضيين مكاتب الإحصاءات التي تقوم بإعداد دراسات تحليلية واستطلاعات بناءً على طلب جهات سياسية أو مرشحين. ويلاحظ من خلال الاطّلاع على نتائج هذه الاستطلاعات وجود تشابه في نتائجها، ما يمنحها صدقية إضافية. وتُظهر هذه الاستطلاعات تفوّقاً لتحالف التيار الوطني الحر والطاشناق، وهو التفوق الذي سيبقى، لكنه سيكون ضئيلاً في حال انضمام النائب ميشال المر إلى تحالف قوى الموالاة، إلا أنه سيكون واسعاً إذا بقي المرّ في موقع مستقلّ أو عاد أدراجه إلى «الحلف الثلاثي» مع البرتقاليين والأرمن. أما على صعيد أسماء مرشحي التيار، فيأتي النائب إبراهيم كنعان في صدارة المرشحين الموارنة في مختلف الإحصاءات، بينما حلّ في المرتبة الثانية في بعض الإحصاءات النائبان سليم سلهب ونبيل نقولا. أما الرئيس أمين الجميّل فتارة يحلّ ثانياً وطوراً ثالثاً، وفقاً لـ«مزاج» الاستطلاع.
وتشير أرقام الاستطلاعات إلى خطر على فوز النائب كميل خوري، إذا تكرر ترشيح النواب الحاليين في الانتخابات المقبلة، حيث ظهرت قدرة الجميّل على خرق لائحة التيار، وخاصة إذا استمرت التحالفات كما هي. أما أرثوذكسياً، فيحتلّ النائبان الحاليان ميشال المر وغسان مخيبر صدارة استطلاعات الرأي بفارق كبير في الأصوات، مما ينفي وجود منافسة واضحة على هذا الصعيد. وتُبرز الأرقام قدرة المر على خرق لائحة التيار الوطني الحر إذا ترشح مستقلاً وحاز أصوات الطاشناق، أو إذا ترشح متحالفاً مع الجميّل. أما شقيقه غبريال فانحسرت شعبيّته بشكل واضح، فهو لم يعد مقبولاً من مناصري التيّار، كما خفّت الحماسة لانتخابه لدى مناصري أحزاب الموالاة الذين يفضّلون انتخاب الوزير الياس المر.. كذلك يحتلّ النائب إدغار معلوف صدارة ترتيب المرشحين الكاثوليك في مختلف الإحصاءات، وخصوصاً في ظلّ ندرة أسماء المرشحين الكاثوليك في المتن. وحلّ في المرتبة الثانية ميشال مكتف وفي الثالثة النائب السابق ميشال سماحة. ومما يجدر بالإشارة أن الغموض يكتنف وضع النائب السابق نسيب لحود الذي لم تستطع الاستطلاعات بعد أن تجلو ميزان شعبيته الحالية، ربما بسبب ابتعاده عن الأضواء. وظهر اسم غسان الأشقر بين أصحاب الحظ. ولم تحظ القوات اللبنانية بنسب مرموقة. وتقدّمت أسماء مرشحة للانضمام إلى لائحة التيّار في المتن، مثل رئيس جمعية الصناعيين فادي عبود ونائب رئيس الرابطة المارونية عبد الله بوحبيب، وحتى المرشح المنفرد سركيس سركيس، على النائب كميل خوري، مما يرجّح استبعاد الأخير عن اللائحة التي ستنعم بدعم النائب ميشال عون. وتقول معلومات إن هذه الاستطلاعات التي اطّلع عليها مؤلّفو اللوائح في المتن سيكون لها تأثير في تثبيت بعض الأسماء واستبعاد أخرى. وتتحدث هذه المعلومات عن اسمين ثابتين، حتى الآن، على لائحة عون المتنية، هما النائبان: كنعان ومخيبر، مع تداول اسم الفنان الياس الرحباني كمرشح أرثوذكسي إذا ما تقرّر اقفال اللائحة العونية أرثوذكسياً. كما أن حظوظ النائب معلوف بالبقاء مرتفعة، وما من بديل محتمل له إلا النائب السابق ميشال سماحة الذي تقف دون ترشّحه على اللائحة البرتقالية عقبات لا بد من تذليلها أولاً. وعلم أن إكمال اللائحة العونية بالمرشحين رهن بالتحالفات، إذ لم تستبعد مصادر مطّلعة خلط أوراق يسبق الانتخابات النيابية في ربيع 2009، وقد يصل إلى حدّ توافق انتخابي يقضي بترك مقعد ماروني شاغر على لائحة التيّار لسامي أمين الجميّل ومقعد أرثوذكسي لميشال المر. وهو أمرٌ يحبّذه حزب الطاشناق وقد يعمل على تحقيقه. وحينها، فقط، يستطيع أبناء المتن أن ينعموا بيوم انتخابي هادئ طال انتظاره.
(الأخبار)