أنطون الخوري حربلا ترك انتخاب النائب أسعد حردان رئيساً للحزب القومي أصداءً متضاربة لدى مختلف القوى السياسية، الموالي منها والمعارض. فهذا القومي الذي وصف برجل الظل خلال المراحل الدقيقة التي مر بها الحزب السوري القومي الاجتماعي إبّان الحرب الأهلية ثم عهود الجمهورية الثانية، لايعرفه من خارج حزبه إلا القلائل.
جنوبي آتٍ من راشيا الفخار إلى العمل الحزبي في صفوف القوميين، متنقلاً في مهام عديدة، أهمها عمدة الدفاع في زمن الحرب، وما لبث أن نقل حزبه من الحال التي كان عليها إبان الأحداث إلى الانخراط في العمل السياسي الرسمي نيابياً ووزارياً.
لكن انتخابه رئيساً للحزب للمرة الأولى بعد مطالبات وممانعات سابقة، كان لا بد أن يترك انطباعات استثنائية تضاهي شخصيته الاستثنائية لمن يعرفه.
أول هذه الانطباعات لدى رفاق حزبه الذين يرى القسم الأكبر منهم فيه مناضلاً عسكرياً مميزاً، استطاع أن يثبت دور الحزب كقوة فاعلة في حرب لبنان، ملتقياً مع كل من يقاتل إسرائيل.
أما في حقبة ما بعد الحرب، فيقدّر رفاقه قدرته على توحيد جناحَي الحزب (المجلس الأعلى والطوارئ) الذي ساهمت الحرب وهو شخصياً في انقسامه، فأدخل الحزب إلى الندوة النيابية، ومن بعده إلى الحكومة، كما إلى إدارات الدولة العامة في مختلف مستوياتها.
ورغم انتقاده بالتحول من الحالة الثورية إلى الالتحاق بنظام الكيان اللبناني، يرى فيه شبان الحزب حلقة الأمان الاستراتيجي التي تحميهم من حملات خصومهم في مختلف المواقع والمناطق. لكن تصور هؤلاء لرئاسة حردان يترجم اعتقادهم بولوج حزبهم في عهد رئيسه الجديد مرحلة استثنائية من تاريخه السياسي ستكون حافلة بالمفاجآت، كما يعتبر البعض منهم أن الظروف التي يمر الحزب بها منذ عام 2005 تضعه في دائرة الاستهداف، ابتداءً من قضية مخزن الأسلحة في الكورة، وانتهاءً بمجزرة حلبا. لذلك بات من الواجب على القوميين الإتيان برئيس يعيد إليهم الحصانة والمهابة.
أما تيار المستقبل فقابل انتخاب حردان رئيساً لحزبه بشيء من الهلع نظراً لهالة القسوة التي تحيط بسمعته مع خصومه، ولا سيما أنصار هذا التيار في عكار، وأضحى اعتقاد قوى الموالاة كما يفيد أحد أنصار النائب السابق خالد ضاهر، أن «الحساب بات قريباً».
والحزب التقدمي الاشتراكي الذي اعتبر قوميي الجبل أعداءً له ودخلاء عليه، فيما هم يتهمونه بالتنكيل بمناصريهم إلى حد شمول بعض العائلات القومية في الحرب التطهيرية التي قادها وليد جنبلاط ضد مسيحيي الجبل، والذي يعتبر، كما أفاد مصدر في داخلية المتن الاشتراكية، وصول حردان إلى رئاسة حزبه مجرد استمرار لتنامي صعود القوميين في «المنطقة الجنبلاطية» على يد من يدير هذا الحزب من خلف الستار، وهذا يعني أنه لا تغيير مستقبلياً يذكر في هذه المعادلة بعد وصوله إلى الرئاسة.
أما في المقلب المعارض، فتسود البهجة صفوف حزب الله وتيار التوحيد اللبناني والحزب الديموقراطي اللبناني، لكون وصول حليفهم إلى رئاسة الحزب القومي يعني تعزيز قوة هذا الحزب على الساحة السياسية، ما يعزز وضع المعارضة بشكل عام.
أما في الجانب المسيحي الموالي، فتعيد القوات اللبنانية حساباتها بعد هذا التطور المبشر بتغيير قواعد اللعبة في المناطق المسيحية، لكون أي تحرك أو تعرّض للحزب سيكون حردان المعني الأول به، وبالتالي فإن كل ما سيحدث سيكون نتيجة قراراته المباشرة كما أكد لـ«الأخبار» أحد النواب القواتيين الذي بدأ تلمس التوجس في صفوف القواتيين، ولا سيما في منطقتي المتن الشمالي والكورة.
وفي حزب الكتائب تكوّن عن رئاسة حردان للقوميين انطباعان: الأول مرحب بهذا الحدث لحزب يعتبر المتن مثلما تعتبره الكتائب عرينه الأول، وبرئيس لهذا الحزب دخل إلى بكفيا بعد 13 ت1 1990 حامياً منازل آل الجميل وبيوت الكتائب وكوادرهم ومسؤوليهم من إقامات القوميين الذين هدم الكتائب بيوتهم وقتلوا رفاقهم وهجّروهم من المنطقة، إضافة إلى الحماية التي بسطها القوميون على قوات سمير جعجع الذي طرد الرئيس أمين الجميل من المتن ولبنان أواخر عام 1988.
يبقى السؤال الأهم، وهو: إذا لم يكن هناك فرق كبير بين دور أسعد حردان في الحزب من خارج رئاسته ودوره اليوم رئيساً له، فما هي الخلفيات التي اعتاد حردان حجبها عن توقعات السياسيين وأولهم خصومه؟
وما هي أهداف الحزب وخطواته في عهد الرئاسة الجديدة له؟
الأكيد أن دور الحزب في المرحلة المقبلة سيكون مطبوعاً بشخصية رئيسه الآتي إلى واجهة رئاسته عبر شخصية اختلط فيها البعد الأمني بالبعد العسكري والسياسي والعقائدي إلى حد اعتبارها استثنائية.