محمد محسنيصعب على طلّاب السكن الجامعي في الحدث تخيّل مرور كأس أوروبا دون التمتع بأجوائه. يسعون إلى خلق جو خاص، يتيحه التنوع في أروقة السكن. البطولة تنطلق، الجميع يستعدّ مسبقاً. الرهانات تزداد يوماً بعد يوم. لا يراهن الطلاب على أمور ثقيلة العيار، فأوضاعهم لا تحتمل. يأتي الرهان على «عشاء متواضع» إن خسرت إيطاليا أو على «كاتيوشا» خارج السكن إن تأهلت ألمانيا. كافيتيريا السكن تجهّز نفسها قبل المباريات. الشاشة العملاقة ممنوع الاقتراب منها، ومكبرات الصوت تنقل التعليق الرياضي إلى خارج الكافيتيريا. المباريات تبدأ في العاشرة إلا ربعاً. عند التاسعة والنصف تقريباً تمتلئ الكراسي، ويصبح على الداخلين الجدد التشجيع وقوفاً. الانتظار حتى إنهاء الدروس لا ينفع، ومن يدرس يصبح دخيلاً.
يبدأ التشجيع ويعلو صوت التصفيق فور رؤية تشكيلتي المنتخبين. تنطلق المباراة مع صافرة الحكم، ويسود الهدوء لمتابعة المباراة. كثيراً ما ضبط الجمهور الإيطالي أعصابه حين أضاع لوكا توني الفرصة تلو الأخرى. «التزريك» يأتي من الطرف الآخر، فيسخر الجمهور ويعلو الضحك من الطرفين. تبدو المنافسة «مبطنةً» لنيل لقب «المهضوم» من خلال التعليقات. يستسيغ البعض تعليقات خصمه، فيما يضبط البعض الآخر أعصابه، وينتظر الفرصة المؤاتية للرد. المباريات الأخيرة في الدور الثاني شهدت حماسة أكثر من مباريات الدور الأول.
خسرت إيطاليا بركلات الترجيح. الجماهير المتحدة ضدها رفعت أعلاماً إسبانية، فوجئ الكثيرون بوجودها. استطاعت أقدام اللاعبين الأوروبيين أن تجمع الشباب المتخاصم سياسياً. لم يلق الفريق الإيطالي الأزرق تشجيعاً من جميع مؤيدي تيار المستقبل، فقد جلسوا إلى جانب زملائهم من حزب الله ليشجعوا الفريق الألماني. فرح كثير من طلاب التيار الوطني الحر بخروج المنتخب الهولندي، فلونه البرتقالي لم يشفع له عند طلاب التيار إلاّ من باب المزاح والفكاهة.
لم يحدث أي إشكال بين الطلاب منذ بداية البطولة حتى الآن. يخرجون إلى الباحة الخارجية بعد نهاية الشوط الأول. لقاءات غرامية مدبّرة تحصل، والخلاف في التشجيع «لا يفسد في التشجيع قضية». يعود الجميع إلى أماكنهم. العشاق يتركون بعضهم شوطاً، وينضم كل منهم إلى جماهيره، حتى وإن أدى الأمر إلى غيرة متبادلة!! تنتهي المباراة، ويبدأ مشجعو الفريق الفائز بالاحتفال. «التزريك» يطال جماهير الفريق الآخر. السياسة تبتعد. أبناء المستقبل وحزب الله حجتهم موحدّة وتبرير الخسارة عندهم يتم بتنسيق مسبق. يتجه البعض ممّن كانوا يدرسون على طاولات الكافيتيريا أثناء المباراة إلى غرفهم، فيما يؤكد البعض الآخر الإيفاء بالرهان الذي قطعه.
المباريات مستمرة حتى غد الأحد. كثير من الطلاب ينوون استكمال مشاهدة المباريات في السكن. ستتأخر العودة إلى القرية أو البيت حتى إشعار آخر. الرياضة تجمع وتوحّد ما فرقته السياسة. سيعودون إلى «معسكراتهم» فور نهاية البطولة. تبقى البطولات الرياضية نقاطاً مضيئة بين طلاب الجامعة. الأمل بتحويلها إلى مسلكية عامة يبقى رهناً بظروف لم تتوافر بعد...