مصطفى يوسف حمودنقول ويقولون دوماً بأن كل ما هو جميل في لبنان قد تجده في بلدان أخرى، لكن حتماً لا تجد مثل ميّزة الشعب اللبناني المضياف المحبّ المُسالم. وها أنتم جميعاً تقبضون على عنق الشعب اللبناني، تحيلونه إلى شعب متوتر غاضب، متقاتل بعضه ببعض، يدمّر قراه وأحياءه. يحيلها في كل ساعة إلى ركام ودمار، وجرحى وقتلى يسقطون في أزقّته وفي منازله المقصوفة والمقنوصة وبأيدي شرائح مسلحة من هنا وهناك. لا من رقيب ولا من رادع ولا من محاسب ولا مَن يعاقب... فتترعرع الجريمة في حنايانا وفي كل بقاعنا شمالاً وجنوباً وشرقاً وغرباً وتبدو أنها هي السيدة الفتنة المطاعة في لبنان ولا من سيد سواها...
فحتّامَ يستمر هذا الوضع الشاذ المدمر في وطني؟
وحتّامَ يتحمل شعبي هذه الآلام والمآسي وهو في كل يوم يشيّع ويدفن ضحاياه ويلملم قروح جرحاه؟
بالأمس القريب قد قالها قائد بأن كل سلاح يستعمل في الداخل هو سلاح خائن، وبأن كل عمل تخريبي في الداخل يقوم به البعض إنما هو عمل خائن.
لكن السلاح المتنقّل بقي يستعمل في الداخل. وبقي العمل التخريبي يتمختر في الداخل، ولا مَن يخوّن ولا مَن يخوّنون. ولا من سلطة تردع ولا من قوة تمنع.
والمواطن اللبناني مصيره من سيئ إلى أسوأ، ومن ضيق إلى فقر، حتى نعمة الماء والكهرباء يكاد يحرم منها، فيصدأ جوفه عطشاً ويشحّ بصره عتمة.
ومن تهجير له في الداخل إلى هجرة قسرية إلى الخارج. ولبنان الأخضر يتيبّس ويحترق. ويضيع كله ويدمر بأيدينا وكأننا قد امتلكنا لبنان أرضاً وشعباً بصك تمليك نبيعه لمَن يرغب بالشراء ولمَن يدفع ثمناً أعلى، ولا مَن يتّقي ولا مَن يخاف الله في خلقه، وقد أوصانا في محكم التنزيل «وتعاونوا على البِرّ والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان».
كلكم أيها اللاعبون المتحكّمون بمصير لبنان واللبنانيين، يا مَن تستقوون في كل حقبة بعضكم على بعض، بسلاح غيركم، وتستعلون على الوطن، ولحساب غيره، وعلى رأس هذا الغير إسرائيل... إنكم من حيث تدرون أو لا تدرون قد وصلتم إلى تنفيذ آخر خيوط المؤامرة على وطنكم وعلى شعبكم بأن تحرقوا فيه ميّزته بين الشعوب، عنصر الجذب إليه ميزة الطيب والكرم والحب والحضارة فيه، لتحلّوا محلها صفة الإجرام والحرب والتقاتل، فلا يأمن فيه على روحه وماله وافدٌ إليه، بعد أن فقد اللبناني في وطنه الأمان على ماله وولده وجسده وقد أسلمتموه للشيطان العدو المبين.