نادر فوزخرج الجبل الدرزيّ سالماً من معارك أيار، عبر وساطة رئيس الحزب الديموقراطي اللبناني، طلال أرسلان، بين حزب الله ورئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط. ولا تزال ذيول هذه الوساطة تترجم عبر تخلّي الاشتراكيين عن بعض المواقع في الجبل مقابل تسلّم أخرى.
وتتحدث مصادر مطّلعة على أوضاع الشوف والمناطق المحيطة عن أنّ المراجع السياسية للطائفة الدرزية، الموالية والمعارضة، تشعر بالإحباط جرّاء حوادث أيار الماضي: انتقلت عدوى الإحباط من الطائفة المسيحية إلى الطائفة الدرزية، كأن التاريخ يلزم هاتين الطائفتين بوحدة المصير.
فأنصار جنبلاط أيقنوا أنهم عاجزون عن الدفاع عن مناطقهم، وسجّل استسلام زعيمهم العسكري تراجعاً حادّاً في معنوياتهم، حتى إنّ المخرج السياسي الذي أنهيت من خلاله أزمة أيار، لم يأت لمصلحة الاشتراكيين، بل هم «يشعرون بأنهم فشلوا ميدانياً وسياسياً، إلا أنهم لا يزالون يتمسّكون بالتأييد المطلق لجنبلاط، الذي يشكّل العمود الفقري الأساسي للخروج من الأزمة، وهي أول أزمة من هذا النوع تعانيها الطائفة منذ عقود طويلة».
مع العلم بأن عدداً غير قليل من المراجع الوسطى في الاشتراكي استبقت نتيجة معركة الجبل، قبل حصولها، محذّرةً من الفشل إذا تابع رئيسهم في المنحى التصاعدي للمواجهة.
على صعيد المعارضة، يشعر المير طلال أرسلان هو الآخر بالإحباط لـ«عدم تنفيذ جنبلاط التعهدات التي أطلقها يوم سلّم مواقعه للمير والجيش»، كما تقول المصادر، وتضيف أنّ «الحديث بين الزعيمين اقتصر على الأوضاع الأمنية دون أي كلام سياسي عن المرحلة المقبلة، أي الانتخابات النيابية».
ويؤكد مصدر «ديموقراطي» أنّ أرسلان يتابع بحذر تحضيرات جنبلاط المتّجهة نحو «إقفال لائحته في قضاء عاليه دون ترك مقعد للوسيط الذي أنقذه عند اقتراب ساعة الصفر»، مع العلم بأنّ أوّل الذين حاول التواصل معهم جنبلاط خلال أيار الماضي، كان الرئيس نبيه بري وليس أرسلان، إلا أنّ برّي والمعارضة دفعا بأرسلان إلى الواجهة لـ«يكون الاتفاق درزياً ـــ درزياً بهدف دفع المعارضة الدرزية نحو الأمام وإعادة الاعتبار لقواها في الجبل»، كما يقول المصدر.
ويؤكد المتحدّث أنّ أرسلان يدرس خلال هذه الفترة خطواته السياسية، بغية حفظ خطّ العودة لتفادي أي موقف محرج إذا انقلبت الوقائع أو تثبّتت صحّتها.
أما الطرف الدرزي الأخير، والأكثر نشاطاً، تيار التوحيد اللبناني، فيشعر أنّ التسوية في الجبل جاءت على حسابه «ولو أنّ التنسيق كان موجوداً بين قوى المعارضة»، إلا أنّ إعادة تفعيل دور أرسلان جاءت على حساب رئيس التيار وئام وهاب «الذي كان «الأنشط في الجبل والأكثر اندفاعاً في السياسة والميدان»، كما يقول أحد المتابعين، ليلفت إلى أنّ الأمر لا يزعج وهاب كما تزعم بعض القوى و«لكن لا بد أنّ للمسألة ردة فعل سلبية لدى أنصار تيار التوحيد».
وعلى صعيد المعارضة، أفادت مصادر أنّ «حزب الله أجرى مشاورات مع حلفائه في الجبل، أي أرسلان ووهاب والحزب السوري القومي الاجتماعي، إضافةً إلى اتصالات مع قوى أخرى أبرزها الحزب الشيوعي، الغاية منها تشكيل جبهة معارضة سياسية موحدة في مواجهة جنبلاط».
وتأتي هذه الخطوة بعد النتيجة الكارثية للقاء السياسي الذي حصل أخيراً في كفرمتى، والذي قدّر أحد المتابعين حضوره بـ«65 شخصاً، أي ما يقلّ عن 10 في المئة من النسبة الأدنى للقاءات السياسية السابقة»، مشيراً إلى غياب المراجع الروحية «مع العلم بأنّ أكثر من 700 شيخ كانوا يحضرون المهرجانات السياسية للمعارضة»، مما يؤكد الأثر السلبي لحوادث 7 أيار على المعارضة، إضافةً إلى العلاقة المتعثّرة بين بعض هذه القوى التي تساهم في إضعاف هذه الحركة مقابل الثبات التاريخي للاشتراكي في الجبل.
ورغم تأكيد بعض المصادر المقرّبة من كل هذه القوى، تنفي المواقف العلنية علمها بالموضوع على أساس أنّ «أحداً لم يدعنا ولم نطرح الأمر، لكننا نجد ضرورة لتوحيد المعارضة ليس في الجبل فقط إنما في كل لبنان»، كما يقرّ مسؤولون في قوى المعارضة في الجبل.
أما الحزب الشيوعي الذي ثابر على تميّزه منذ بدء الأزمة عام 2004 والتجديد للرئيس السابق إميل لحود، وتداعياتها مروراً باغتيال الرئيس رفيق الحريري، فيؤكد على لسان عضو مكتبه السياسي ومنسق منطقة لبنان الجنوبي، رجا سعد الدين، أنّ التواصل بين الحزب والمعارضة قائم على صعيدي الحوار والنقاش، «ونتعامل مع الآخرين على أساس أننا خارج أي تحالف أو ارتباط سياسي مع أي طرف». ونفى سعد الدين أن يكون الحزب قد تلقّى دعوة أو جرى التداول معه حول إقامة جبهة موحّدة للمعارضة في الجبل، «نتوقع أن تتشاور المعارضة معنا في ما يتعلق بهذا الموضوع، ولكن لن تكون لنا صلات جبهوية وفئوية مع أي من الطرفين. وعلاقتنا مع السلطة لا تشكو تناقضاً، وفي الوقت ذاته نتقاطع مع المعارضة».