strong>يزرعون شتلة التبغ في الجنوب. يمضون القسم الأكبر من أيامهم في الحقول، أملاً ببعض ما يعولهم نهاية السنة. لكن عدداً منهم وجد نفسه هذا العام مطالَباً بتسديد قرض مصرفي لم يقبضه. أملهم الوحيد أن ينصفهم القضاء
بنت جبيل ــ داني الأمين
رغم مرارة شتلة التبغ، ومرارة العمل على إنتاجها الذي يتطلب تمضية المزراعين أغلب وقتهم في زراعة شتولها وقطف أوراقها وتوضيبها وتحويلها إلى طرود، فإن هذه الزراعة تبقى حلماً عند البعض الذي يأمل الحصول كغيره على رخصة لزراعة «النبتة المرة»، وبالتالي تأمين قوت يومه، أو ليصبح بإمكانه الاستدانة من المحال التجارية ودكاكين الضيعة أو البنوك التجارية، على أمل الحصول على بعض النقود في نهاية الموسم الزراعي. ويبدو أن هذا السبب دفع شخصين إلى استغلال ضيق سبل العيش، فطلبا، بالتعاون مع موظفين في الريجي، من عشرات المزارعين الجنوبيين، تزويدهما ببيانات قيد إفرادية أو بطاقات هوية لتأمين رخص لزراعة التبغ للمزارعين، إضافة إلى قرض مالي من المصرف الذي يعمل فيه أحد المشتبه فيهم.
وهذا القرض المصرفي يُعطى عادة لمزارعي التبغ الذين يحملون رخصاً. وتفاصيل القضية التي لا تزال قيد التحقيق القضائي أن موظفاً في أحد مصارف صور، وهو حسب بعض المزارعين «نائب لمدير الفرع»، تعاون مع المزارع ع. ع. (من بلدة تولين التي يعمل أكثر أبنائها في زراعة التبغ) لإقناع المزارعين، وخاصة الذين لا يملكون رخص التبغ، بأن يزوّدوه بصور عن بطاقات هويتهم بهدف تأمين الرخص لهم، إضافة إلى القروض المالية. وهذا ما حصل، إذ جرى التعاون مع نحو مئتي مزارع من بلدات تولين والجميجمة وعيتا الجبل وميس الجبل والشعيتية. لكن ما حصل هو أن الرخص كانت مزوّرة والقروض المالية حصل عليها موظفان في المصرف وثالث من الريجي والمزارع (ع. ع.). أما المزارعون، فقد مُنِحوا قسماً صغيراً من الأموال المسحوبة».
وبحسب ما أشارت مصادر مطلعة على القضية، فإن مبلغ ملياري ليرة سُحِبَ من المصرف كقروض بأسماء نحو مئتي مزارع. محسن إبراهيم عوالة، أحد هؤلاء المزارعين، قال لـ«الأخبار» إن علاقة جيدة تربطه بالمزارع ع. ع.، ومنذ نحو ثلاثة أشهر، «طلب مني أن أقدم خدمة له تتمثل بإعطائه إخراج قيد وتوقيع تنازل عند كاتب بالعدل، والذهاب معه إلى البنك في صور للتوقيع على سندات الدين التي لم أكن أعلم أنها كذلك. وبكل بساطة اقتنعت بخدمة رفيقي وذهبت إلى موظف في المصرف ووقّعت على السندات بعدما تنازلت عن حقي عند كاتب العدل. وبعد شهر حضر التحرّي إلى منزلي ومنازل نحو مئتي مزارع من تولين والجميجمة وغيرها، وذهبنا للتحقيق معنا حيث أدلينا بما حصل معنا، فيما أوقِفَ موظف المصرف وع ع.». وقال عوالة إنه اكتشف أن الموقوفَين حصلا على قرض مالي باسمه قيمته نحو 10 ملاين ليرة، مضيفاً أن اثنين من خبراء التبغ العاملين مع «الريجي» فرّا إلى مكان مجهول بعد التوقيف.
عدد كبير من مزارعي التبغ في تولين يستغربون ما جرى «لأن رخص التبغ لا تُعطى منذ سنوات عديدة، ولا يجوز منح رخص لأكثر من شخص في الأسرة الواحدة ولا لأكثر من أربعة دونمات من الأراضي الزراعية. فكيف مُنِحَت القروض لأكثر من فرد داخل الأسرة الواحدة؟ فإحدى الأسر حصلت على قروض بأسماء كل من الزوجة والزوج وابنين لهما، وسُحبت الأموال على أسمائهم ولم يحصلوا على قرش واحد حتى الآن، وهم مُطالبون من البنك بتسديد هذه الأموال لأنها سحبت على أسمائهم» بحسب ما ذكر محسن عوالة ومحمد علي ذيب والمختار محمد عوالة. ويضيف المختار عوالة أن «جميع مزارعي التبغ في البلدة يحلمون بالحصول على الرخص لتأمين عيشهم والحصول على القروض المالية. وقد لجأ موظف المصرف والمزارع ع. ع. إلى تأمين ذلك، مستغلين حاجة المزارعين للعمل والعيش بكرامة. وقال التاجر محمد ذيب إن «بعض المزارعين حصلوا على بعض الأموال من البنك، لكنها قليلة نسبة إلى قيمة القروض المسحوبة على أسمائهم، فمنهم من قبض مليون ليرة أو مليونين، لكن المبالغ المسحوبة على أسمائهم تفوق عشرة ملايين ليرة عن كل شخص».
المصرف تقدّم بدعوى أمام القضاء، وبدأ قاضي التحقيق في النبطية الرئيس فؤاد مراد تحقيقاته. وحتى اليوم لا يزال موظفان من المصرف وآخر من الريجي والمزارع ع. ع. موقوفين. وكان موكلو الثلاثة الأوَل قد تقدموا بطلبات لإخلاء سبيل موكليهم، وقد وافق القاضي مراد على إخلاء سبيلهم مقابل كفالات مالية قدرها 500 مليون ليرة لكل من الأولَين، و300 مليون ليرة للثالث، إلا أن الهيئة الاتهامية في النبطية فسخت قرار إخلاء السبيل لاحقاً.
أما المزارعون الذين يخشون أن يراجعهم المصرف لتسديد القروض المسحوبة على أسمائهم، فلا يعرفون ماذا عليهم فعله. والبعض يحاول متابعة الأمر مع محامين، لعلّهم يقدّمون النصيحة، والنصيحة فقط، لأن أكثرهم لن يتمكنوا من تسديد أتعاب المحامي.