صور ــ آمال خليلصيدا ــ خالد الغربي
عائدون إلى الديار منتصرين رغم السنوات، ولكن لهذا النصر بعض ملامح الحزن في قلوب الأمّهات اللواتي ينتظرن جثامين شهداء بدلاً من أحبّة أحياء. وإذ رأى إيهود أولمرت أن إسرائيل «ستعرف حزناً لا يوازيه الإحساس بالذل مقارنة بالاحتفالات» التي ستعمّ لبنان، فإن فيه أيضاً مكاناً واسعاً للحزن توازيه نشوة النصر. فأول ما يتبادر إلى ذهن حسين، شقيق الأسير محمد سرور من عيتا الشعب، جثامين الشهداء الذين سيعيدهم التبادل «الذين لن يسمحوا للفرحة بأن تكتمل». وإن أيقن بأنه حزن من نوع آخر فاخر ورفيع المستوى، إلا أن «دموع ما لا يقل عن عشر أمهات جميلات سيبكين دمعتين ووردة بثياب الحداد، في مقابل والدته التي ستحوّل عيتا الشعب إلى عرس لا ينام».
وبعد مرور شهر على وعد السيد حسن نصر الله بعودة الأسرى قريباً، بدأ الأهالي يعدّون العدّ العكسي الفعلي، علماً بأن التحضيرات «اللوجستية» العائلية بدأت مذ وعد السيد وكل شيء جاهز بانتظار التنفيذ مثل والدة الأسير محمد سرور التي تمضي الليل والنهار في إنجاز قطاف و«شك» التبغ لتتفرغ لعودة ابنها إلى الديار التي لم ينجز بناؤها بعد.
هؤلاء أهل النصر، ذوو الأسرى المحررون قريباً: سمير القنطار في عبيه ومحمد سرور في عيتا الشعب وماهر كوراني في ياطر وخضر زيدان وحسين سليمان في بيروت يتهيأون لفتح أعينهم بعدما حلموا طويلاً مع فارق السنين. لكن جسد الجنوب لن يكتفي بالاحتفال سماءً بالحمائم المحررة بل سيفرش ترابه على جثامين بعض مقاوميه الذين استشهدوا قبل سنتين في عيناتا وعيتا الجبل وميس الجبل وجبشيت ومارون الرأس هم: موسى خزعل، مروان سمحات، زيد حيدر، محمد دمشق، علي الوزواز، حسن فحص وموسى فارس. لكن مارون الرأس ومثلها أرنون الشقيف ستبقيان، إلى حين إنجاز التبادل، قلقتين على مصير ابنيهما المقاومين المفقودين: حسن كرنيب وهلال علوية.
وهناك بعض الأهالي ممن ينتظرون أبناءهم المفقودين أو الشهداء من المجهول، على أمل أن تحسم العملية المرتقبة مصيرهم.
وإضافة إلى ذوي الأسرى، الجنوب بدأ يستعدّ لاستقبال أبنائه الأحياء والشهداء برفع صورهم والزينة في البلدات والمدن.
وفي صيدا، بدا القنطار بصورته العملاقة التي تعلو قضبان مجسّم السجن المرفوع منذ عامين في ساحة الشهداء، كمن يشرف بنفسه على تفاصيل الاستعدادات لعودته محرّراً مع رفاقه الأسرى، التي يقوم بها شباب الحزب الديموقراطي الشعبي. هؤلاء الصبية الذين لم يعرفوا القنطار، إلّا أنّهم حرصوا على أن تكون احتفاليّته على قدر نضالاته وسنوات سجنه، فارتدوا القمصان الحمراء وافترشوا الأرض، محوّلين الساحة إلى ورشة عملٍ، استغلّوها للتعبير عن فرحتهم بالعودة المنتظرة.
فرحة كبيرة وحماسة اختصرها الشباب بشعار «سمير القنطار حراً... عاش الكفاح المسلح»، للدلالة على أنّ المقاومة لن تنتهي وأنّ «القنطار سيعود ورفاقه من السجون الفاشية، وهي قناعة راسخة وليست مجرّد عواطف بأنّ هؤلاء هم عنوان الثورة».
في احتفاليّة القنطار المنتظرة والتي لن تكون كغيرها، لن تكون الألوان والحماسة أيضاً على طريقة الساحات اللبنانيّة التي اعتدناها، فقد عمد «الرفاق» إلى جمع الأحمر والأزرق والأصفر في صيغة لم تحضر يوماً في السياسة اللبنانيّة، فخطّت اللافتة العملاقة «بالمقاومة تحرّر سمير... تتحرر مزارع شبعا» بالأزرق، للإشارة إلى أنّ الألوان «للجميع، ولضرورات الأزرق الذي تعتمده السلطات اللبنانية في لافتات تعريفها لكل المناطق اللبنانية»، كما يشير الشاب محمّد وهبي.
وفيما ينشغل وهبي والرفاق في كتابة الشعارات، تنتظر رنا الصياد، إحدى صبايا الحزب، إلى جانب مجسّم السجن الوسائل الإعلاميّة، حاملة صورة القنطار وبطاقة تعريفه النضالية، لتقول «إنّ هذا المجسم الذي وضعناه قبل عامين ينتظر طهر قدمي سمير لتحطيمه». وتتابع كلامها متوجّهة إلى «الحكّام المتآمرين وعملاء الداخل»، مشيرة إلى «أنّ ما نقوم به هو تعبير عن انتصار المقاومة وخيارها الذي يثبت أن لا شيء يعيد الكرامة والشرف إلّا سلاح المقاومة الذي سنحميه بالقلب وبالدماء». أمّا زميلتها نيفين حشيشو، فتؤكّد أنّه «إذا كانت جماعة حبّ الحياة تعتبر أنّ حريّة سمير والمقاومة ومعاداة الصهيونيّة كلام من الماضي، فنحن نفضّل أن نكون مع ماضٍ عنوانه العنفوان والشهامة والعزة، على أن نكون مع مستقبلٍ يطمس كلّ التاريخ والنضال إرضاءً للسيد الأميركي ولحكام النفط». نيفين التي انتهت لتوّها من تخطيط شعار «من صيدا المقاومة إلى سمير القنطار... مبروك الحرية والانتصار»، تفخر بأنّ ما «نكتبه وما قام به سمير ليس كلاماً خشبياً وهو قمّة العزّة والكرامة التي نطمح إليها». وفي مقابل حماسة الشباب في الورشة، بدا أنّ رجال الأمن المنتشرين في المنطقة لم يكونوا على علمٍ حتّى بقرار عمليّة التبادل، فحضروا إلى الساحة يتقصّون حقيقة هذا النشاط، ويدوّنون مضامين اللافتات، وسُمع أحدهم وهو يقول «نحن الأمن متل الأطرش بالزفّة».