strong>حلفاؤها يزدادون قوّةً ويتخلّصون من عبء منافسيهم
في 18 ك2 1976 دخل جيش التحرير الفلسطيني إلى لبنان عبر الحدود السورية (لواء اليرموك) بعدما كان عبد الحليم خدام تحدث عن إمكان دخول سوريا عسكرياً إلى لبنان، وهو ما تحقق عقب إبلاغ دمشق واشنطن بقرارها. بعد 3 سنوات على انسحابها، هل خرجت سوريا فعلاً من لبنان؟

عفيف دياب
يؤكد موالون للحكم السوري في لبنان أن دمشق اليوم أقوى مما كانت عليه خلال إدارتها الأمنية والسياسية المباشرة. فنفوذها أخذ منذ ما بعد 25 نيسان 2005، يوم انتهاء الانسحاب العسكري رسمياً، شكلاً ومضموناً يختلفان عن مشهد النفوذ المألوف سابقاً عند اللبنانيين يوم كانت «جمهورية» عنجر السورية تدير لبنان سياسياً وأمنياً واجتماعياً واقتصادياً وإعلامياً، وأحياناً حتى ثقافياً. ويقول أحد المقرّبين إلى الحكم السوري في البقاع: «إننا اليوم أقوى مما كانت عليه حالنا خلال الإدارة السورية المباشرة للبنان». ويضيف: «خلال الوجود السوري كنا نتعرض لضغوط وتمنيات تلزمنا مواقف لسنا مقتنعين بها، كرمى لعيون هذا اللبناني أو ذاك، رغم معرفتنا بأن لا مصلحة للنظام السوري في ذلك، فالإدارة السورية للبنان كانت تقمع أقرب المقربين إليها من أجل إرضاء هذا أو ذاك، ومن أجل الحفاظ على التوازنات السياسية والطائفية في البلاد. مع الخروج السوري أصبحنا أكثر حرية في التعبير عن مواقفنا التي لم تكن تتعارض أساساً مع الدور السوري عموماً».
لا يخفي المقرّب البقاعي من سوريا أن «دمشق خرجت رسمياً ولكنها باتت أقوى مما كانت عليه خلال تولّيها زمام أمورنا. فالطبقة الفاسدة التي كبرت خلال الوجود السوري وكانت تبيع مواقف سياسية من أجل مصالحها الشخصية، قد ظهرت على حقيقتها، ولكن للأسف فإن سوريا لم تقم بعد بنقد ذاتي لتجربتها في لبنان، مما شكل نقطة ضعف تضاف إلى نقاط ضعفها اللبنانية التي تراكمت خلال وجودها الطويل في لبنان».
ولكن هل خرجت سوريا من لبنان بمجرد انسحاب جيشها قبل 3 سنوات؟ يقول زائر أسبوعي لدمشق إن «سوريا، وإن خرجت رسمياً وميدانياً، فإن نفوذها يبقى الأقوى من خلال حلفائها ومحوريّتها عربياً ودولياً في الأزمة الراهنة، ودمشق سحبت جيشها ومخابراتها، ولكن وجودها السياسي لم يزل قائماً ولم يتغير واقعه كثيراً رغم خسارتها الأرض التي كانت تعتبر أساسية لها في لعبتها الاستراتيجية في المنطقة».
يقول عسكريون سابقون إن الوجود العسكري السوري في لبنان كان يدخل ضمن التوازن الاستراتيجي مع إسرائيل الذي سعى الرئيس الراحل حافظ الأسد إلى تحقيقه مهما كلفه الأمر على الصعيدين السوري الداخلي والخارجي. ويضيفون أن سوريا لم ترسل جيشها إلى لبنان عام 1976 لتحقيق السلم الأهلي ووقف الاقتتال والمساعدة في بناء الدولة كما كانت تقول، بدليل تحولها إلى طرف عسكري في المواجهات، كما انها كانت تهدف إلى ترسيخ فكرة تحولها إلى قوة إقليمية، والانسحاب من لبنان أفقدها ورقة أساسية في تأكيد قوتها الإقليمية بعد حرب تشرين 1973 مع إسرائيل حيث نجحت القيادة السورية زمن حافظ الأسد في تحويل لبنان إلى ساحة شبه حصرية في إدارة الصراع العربي والسوري مع إسرائيل وخاصة أن لبنان كان طوال 3 عقود حلقة الاتصال الوحيدة (سياسياً وعسكرياً) مع إسرائيل. إذ نجح الأسد الأب في تحقيق هذا الاتصال منخلال سيطرته على فصائل أساسية في منظمة التحرير الفلسطينية وتحديداً بعد اغتيال كمال جنبلاط واتفاق السلام المصري مع إسرائيل، مروراً بالاجتياح الإسرائيلي صيف 1982، وصولاً إلى حزب الله الذي دخل إلى بيت الطاعة السوري بعد عام 1990 وتحول إلى الناقل الوحيد للرسائل السورية التي تريد دمشق إيصالها إلى إسرائيل ومن خلفها إلى الولايات المتحدة، كما أن دمشق أورثت الحزب الوصاية على مجموعات حزبية وشخصيات سياسية بعد انسحابها من لبنان، مما مكنها من الحد من الخسارة السياسية بعد الخسارة العسكرية والأمنية المباشرة. لقد فقدت سوريا «ساحة» استراتيجية تسعى إلى استعادتها بشكل أو بآخر بعدما نجحت نسبياً في «إمساك» نصف الورقة العراقية وتسيطر بنسبة أكبر على الورقة الفلسطينية.
ويقول سياسي لبناني رافق «العقل» السوري منذ سيطرة الرئيس حافظ الأسد على السلطة أن دمشق و«مهما كانت الأوراق الإقليمية التي في حوزتها تظلّ تعتبر أن ورقة لبنان هي الأقوى والأكثر فعالية في خدمة المشروع السوري الإقليمي، وخسارة هذه الورقة بعد اغتيال الرئيس رفيق الحريري لا يزال النظام السوري يعتبرها نكسة لا هزيمة».
والقيادة السورية الحالية «تتعايش مع الواقع الطارئ بعد الخروج من لبنان، عسكرياً واستخباراتياً، وتبني استراتيجيّتها الإقليمية الجديدة بواقعية لا يمكن المجتمع الدولي تجاهلها. وهكذا لا يمكن القول إن سوريا خرجت فعلياً ونهائياً من لبنان أو أنها أصبحت أقل تأثيراً».


دبلوماسية مفقودة
اعترفت سوريا بلبنان كدولة مستقلة في الكثير من النصوص الرسمية، العربية والسورية، بدءاً من ميثاق الاسكندرية عام 1944 وميثاق جامعة الدول العربية عام 1945. أما سوريا فقد وافقت الكتلة الوطنية السورية على حدود لبنان الكبير في المعاهدة اللبنانية ــــ السورية في عام 1936 والتي لم تنل موافقة البرلمان الفرنسي يومذاك.
ويقول مطّلعون إن لقاء الرئيسين جمال عبد الناصر وفؤاد شهاب على حدود لبنان مع الإقليم السوري في الجمهورية العربية المتحدة سنة 1959 كان تأكيداً سورياً وعربياً على الاعتراف بحدود لبنان كدولة مستقلة. وفي عام 1961 اقترح رئيس الوزراء السوري خالد العظم إقامة علاقات دبلوماسية مع لبنان.
الالتباس المستمر في العلاقات اللبنانية ــــ السورية منذ أوائل أربعينات القرن الماضي وحتى اليوم أدى إلى إقدام سوريا على إغلاق حدودها مع لبنان في أعوام : 1949 و1969 و1973 و2006 و2007 وبشكل جزئي أوائل العام الجاري.