جان عزيزتؤكد أوساط موثوق بها أن فريق الموالاة لن يتخلى عن العماد ميشال سليمان، بعد ترك الأخير منصبه في قيادة الجيش، وخصوصاً بعد الإحراق المدروس والمتعمّد لكامل حظوظه الرئاسية.
وتشرح الأوساط نفسها أن الحلقة الضيقة صاحبة القرار في فريق قريطم، لم تقتنع لحظة بترشيح العماد سليمان إلى رئاسة الجمهورية، وأن هذه الحلقة هي من أوعز قبل نحو ثمانية أشهر إلى بعض وسائل إعلامها، لشنّ حملة عنيفة على قائد الجيش واتهامه علناً وصراحة بأنه مرشح سوريا لرئاسة الجمهورية والعودة إلى حكم النظام السوري للبنان.
غير أن هذه الحلقة لم تلبث أن اقتنعت بخطة مفصّلة ومكتوبة رفعتها إليها حلقة موازية من السياسيين والاستشاريين. وهذه الخطة عنوانها الأول تبنّي ترشيح العماد سليمان إلى رئاسة الجمهورية، واعتباره من جانب فريق قريطم مرشحاً توافقياً لهذا المنصب.
غير أن أهداف الخطة وحيثياتها مختلفة تماماً عن العنوان، لا بل مناقضة له. وهي تشرح بإسهاب أن مناورة طرح سليمان مرشحاً رئاسياً، عملية تكتيكية تهدف إلى تحقيق ثلاثة أهداف جوهرية وحيوية بالنسبة إلى قريطم، وهي الآتية:
أولاً، ضمان وصول رئيس للجمهورية يكون أقرب إلى فريق السلطة. وتشرح الخطة أن تهافت الموالاة على تأييد العماد سليمان، وهو من كان مصنّفاً في خانة أكثر قرباً من المعارضة أصلاً، سيدفع المعارضين فوراً إلى الشك وإضمار الريبة. وفي ظل ضغط الوقت وتسارعه، قدّرت الخطة نفسها أن يكون رد فعل المعارضة الأول، رفض هذا الترشيح. عندئذ تجد المعارضة نفسها في موقع أكثر عزلة عربياً ودولياً. وتجد سوريا نفسها أكثر عرضةً للضغط في المحفلين المذكورين. وفي اللحظة المناسبة، يقدم الفريق الموالي، مع عرّابيه العرب والغربيين، على طرح اسم توافقي جديد، بعد تقاعد سليمان، فيصير ترئيسه أكثر سهولة، ورفضه من جانب الفريق الخصم، أكثر استحالة.
أما لماذا يكون هذا الرئيس أكثر قرباً من الموالاة؟ فتقول الخطة نفسها، إن أي شخص آخر غير العماد سليمان، سيكون حتماً أكثر طواعية وتجاوباً مع «إمكانات» الموالاة. وسيكون منعتقاً من موروثات النزاع التقليدي بين قريطم واليرزة منذ 16 عاماً. والأهم أنه سيكون مجرداً من أي قاعدة شعبية أو نيابية أو «نظامية»، ما يجعله أضعف أمام مقدرات فريق قريطم.
أما الهدف الثاني الذي تقترح الخطة نفسها تحقيقه، تحت عنوان ترشيح سليمان وحرقه، فهو إنجاز أول اختراق حريري فعلي لمؤسسة الجيش اللبناني. وإذ تتحدث الخطة بإسهاب عن تاريخية هذا الهدف والمراحل غير المجدية التي جرّبت لتحقيقه منذ أكثر من عقد، وعن العوائق التي حالت دون ذلك، تجد الأوساط المطلعة حساسية كبيرة في عرض حيثيات ما سبق. لكنها تكتفي بالإشارة إلى أن الخطة المرسومة توقعت أن يؤدي تبنّي قريطم للعماد سليمان إلى سلسلة فورية من ردود الفعل، كالآتي: ريبة لدى المعارضة، يليها رفض مكتوم من الأركان المعارضين، وبينهم العماد ميشال عون، لهذا الترشيح، ما يؤدي إلى أزمة ثقة كامنة بين الجنرالين، لن تلبث أن تنعكس بلبلة داخل المؤسسة العسكرية. وعند هذا الحد تقترح الخطة الدخول بقوة، وعبر كل القنوات الممكنة، المباشرة منها أو التابعة لقوى حليفة، من أجل تنفيذ أكبر حملة تحريض على عون داخل الجيش، ومحاولة استمالة مفاصل المؤسسة، شكلاً خلف قائدها الحالي وضد قائدها السابق، وفعلاً لمصلحة فريق قريطم.
أما الهدف الثالث الذي ترجو الخطة نفسها تحقيقه، فهو بعد الإتيان برئيس للجمهورية أكثر قرباً من الموالاة، وبعد خرق الجيش، توجيه الضربة النهائية إلى عون في الانتخابات النيابية المقبلة، وتحديداً في الدوائر المسيحية، وبالأخص في قلب جبل لبنان. وتقضي الخطة نفسها بالبقاء على التأييد الشكلي لترشيح سليمان، حتى تقاعده، عندئذ، وبعد تمرير الاستحقاق الرئاسي وفق الموازين المشار إليها سابقاً، يجري الرهان على العماد سليمان، قائد الجيش السابق، لتأليف لوائح انتخابية مناوئة للوائح العماد عون، في كل من جبيل وكسروان والمتن الشمالي، أي في المعقل الذي ضمن 16 مقعداً من مقاعد تكتل التغيير والإصلاح. ولحظت الخطة نفسها مدّ سليمان بمرشحين على لوائحه من مسيحيي قريطم ومن الخارجين على تكتل عون، من دون حصر التنافس بين لائحتين اثنتين، حتى لا يتكرر «خطأ» انتخابات 2005، بل يفتح التنافس أمام أكبر عدد من اللوائح، ما يزيد من احتمالات التصادم.
ذكية الخطة. شيطانية حتى. لكنها اصطدمت بعقبة هدفها الأول. لا رئيس على ما يبدو في كل المدى المنظور. أما الباقي، فيصير عندها من باب السراب المرسوم على رمال الفوضى المطلقة.