strong>تتعرّض سيدات وفتيات لشتى أنواع التحرّش في الأماكن العامة والمؤسسات والجامعات والأسواق التجارية. وغالباً ما يتحوّل الغزل والتعبير عن الإعجاب إلى قلّة احترام وتجاوز للأخلاق العامة. لكن، عندما يكون مصدر التحرّش شرطياً أو ضابطاً في القوى الأمنية، فلمن تلجأ الضحية؟
رشا أبي حيدر
تبرّر قيم الذكورية المتسلّطة في مجتمعنا التحرّش عبر لوم المرأة على لباسها أو تصرّفاتها. بالمقابل، وعندما يكون هناك احتكاك مع عناصر وضباط في الشرطة، تستخدم بعض السيدات الإغراءات و«الدلع» للإفلات من محاسبتهن على مخالفة قمن بها. ويستجيب بعض رجال الشرطة بعد الرضوخ للشهوة الجنسية. فهل تلطيش عناصر الشرطة للسيدات مشكلة تتطلّب التشدّد في الانضباط، أم هو تصرّف طبيعي في المجتمع الذكوري اللبناني؟
قرب بعض الجامعات
ينتشر أفراد سرية الحرس الحكومي في شارع بلس الذي تمر فيه طالبات الجامعة الأميركية في بيروت. سهى (24 عاماً) هي إحدى الطالبات التي قالت إنها لا تسلم من «تلطيش» رجال قوى الأمن الداخلي والجيش المنتشرين في المنطقة: يعلقون على ملابسنا، وإذا لم يجدوا شيئاً يخترعون تلطيشة: يسلملي هالصبح، شو هالحلو.... زميلتها منال (21 عاماً) تثير غضبها بعض تعليقات رجال الأمن «الزائدة على حدها». وفي إحدى المرات، وقفت وصرخت بالدركي: «احترم حالك»، ثم أكملت طريقها من دون أن يعلّق الحارس. وتضيف: «عليهم حماية الفتيات من الذين يتحرّشون بهن، لا أن يقوموا هم بالمثل».
في محيط الجامعة اللبنانية الأميركية الواقعة ضمن المربع الأمني المحيط بمنزل آل الحريري في قريطم، لا يختلف المشهد كثيراً عن شارع بلس. وهي تدخل الجامعة، يستوقف لمى (24 عاماً) رجل أمن بلباسه الرسمي: «يا ريت بترجع الأيام حتى كون معِك بالجامعة». لا تبدي لمى ردة فعل على ما يقومون به، لأنها تعوّدت. أما لينا (20 عاماً)، فتروي عن انزعاجها من رجل أمن عندما توجه إليها بكلام رأته «قبيحاً»: يسلملي الصاروخ... F 16». أجبته: «استحي عا حالك، لكنه لم يردّ».
... وفي السيارة
لا يقتصر الأمر على المشاة. ملاك (25 عاماً) كانت في شارع الحمرا: زحمة سير خانقة. توقفت بقربها آلية عسكرية يستقلها 3 أفراد من قوى الأمن. تقول: بدأ الشاب الذي يجلس في الخلف يوجّه لها حركات كمدّ اللسان وإرسال القبلات والغمز. أما سابين (25 عاماً) فتختلف «مغامرتها» عما جرى مع ملاك: «على جسر فؤاد شهاب، لحقت بي سيارة عسكرية: بدأ ركابها يغمزونني قبل أن يحاول سائق السيارة عرقلة سيري. وعندما حملت هاتفي مدعية أنني أسجل رقم سيارتهم غادروا مسرعين».
سلوك بعض الشابات
بمقابل سلوك بعض رجال الأمن، يبرز أسلوب تعاطي عدد من الفتيات مع رجال الأمن. فريما (21 عاماً)، اعتادت أن تقود سيارة والدها رغم عدم حيازتها رخصة قيادة، لم تكن تبالي، لأنها كانت «تضمن» عدم توقيفها: «أظهر قليلاً من الدلع... وبيمشي الحال»، حسب قولها، وتشرح ما يجري معها: «كنت أقف على الحواجز، وفي مرة سُئِلت عن رخصة القيادة في منطقة الروشة، فأجبت: نسيتها في المنزل». لكن «لا تستطيعين المرور» رد الشرطي، فقلت له: «ما توقّفني، حرام أنا، مع ابتسامة. ثم بدأنا نتحادث لتنهال علي الأسئلة: ما هو اسمكِ؟ من أين أنت؟ ماذا تعملين؟ واستمرت الأسئلة إلى أن استأذنت لضرورة ذهابي إلى المنزل قبل حضور والدي».
رولا، فتاة في بداية العقد الثالث، لم تنتظر تسجيل سيارتها لتأخذ صديقاتها بجولة في منطقة فردان. فوجئت بشرطي السير صارخاً: «مبسوطة بحالك ماشية بلا نمرة»، تقول رولا، فأجبته مع قليل من الدلع: «نحنا بنات لحالنا، معقول توقفنا؟». وبعدما ابتسمت بوجهه، بدأت الأمور «تتحلحل»، إذ أجابني مبتسماً هذه المرة: «مستحيل خليكي تمشي». فقالت له صديقتي: «ولَو، ما منستاهل توقفنا». وهكذا لم يوقفهن الشرطي، طالباً منهن التوجه إلى البيت لخطورة التجوال في سيارة من دون لوحة.
نظرة أخرى
لرجال الأمن وعدد من المواطنين نظرة مختلفة عما روته الشابات. وعند التوجه لأحد رجال الشرطة بسؤال عن سبب ممارسته «للتلطيش»، أجاب: «معقول شوف هالجمال وأسكت؟».
بدورها، ترى جوانا (24 عاماً) تعليقات رجال الأمن «مهضومة»، ولا ترى في سلوكهم أي أمر سلبي، «لأنهم جزء من مجتمعنا الذكوري». أما فاتن (29 عاماً)، فتتعاطف مع شرطيي المرور الذين يؤدون عملهم في الشمس وتحت المطر مقابل راتب شهري لا يتجاوز 600 ألف ليرة. وتضيف أنها ليست مشكلة إذا عبّروا عن إعجابهم لأحد، ما دام تعبيرهم ضمن إطار التهذيب، «هم شبان كالآخرين، ولديهم غرائز أيضاً». وترى وفاء (25 عاماً) هذا السلوك «طبيعياً ويدخل في ثقافة اللبناني، كما أنها ليست مصيبة إذا عبّروا عن إعجابهم بلياقة».
في الواجبات والمحظورات
تنص المادة الأولى من قانون تنظيم قوى الأمن الداخلي (القانون 17 الصادر يوم 6 أيلول 1990) في تعريف قوى الأمن الداخلي ومهامها على «تأمين الراحة العامة، وحماية الأشخاص والممتلكات، وحماية الحريات في إطار القانون والسهر على تطبيق الأنظمة والقوانين». أما في الواجبات، فلا يجوز لرجال قوى الأمن الداخلي في غير الحالات التي نص عنها القانون «أن يزعجوا الناس في حريتهم الشخصية».
أما المادة 130 من القانون ذاته فتشير إلى إحالة رجال قوى الأمن الداخلي على المجلس التأديبي لعدد من الأسباب «منها اعتياد سوء السلوك».
وبهدف مراقبة أعمال أفراد قوى الامن الداخلي وتصرّفاتهم أثناء الخدمة وخارجها، أطلقت المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي في شوارع بيروت منذ بداية الشهر الماضي دوريات الانضباط التابعة لمكتب الأمن العسكري في فرع المعلومات. وقد جاء هذا القرار بعد تعدّد أنواع المخالفات التي يرتكبها عناصر قوى الأمن «التي تتفاوت بين استغلال الوظيفة والإهمال وعدم الجدّية في تنفيذ المهمات ومخالفة الهندام، إضافةً إلى تصرفات تسيء إلى سمعة المؤسسة وهيبتها بشكل عام»، بحسب البيان الصادر عن المديرية.
مصدر رفيع في المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي أكّد لـ«الأخبار» أن مكتب الأمن العسكري في فرع المعلومات يحقق في أي شكوى تصل ضد أي فرد متهم بمخالفة القانون والتعليمات، ومن ضمنها التحرش بالسيدات. وأضاف المصدر أن التعليمات تعطي للمدير العام لقوى الأمن الداخلي حق إنزال عقوبة السجن بأي شخص تثبت التهمة بحقه، وقد تصل العقوبة إلى الحبس 60 يوماً في بعض المخالفات المسيئة لشرف الوظيفة. وقال المصدر إن مكتب الأمن العسكري يتلقى الشكاوى على رقم الهاتف المجاني 1788 ويتابع التحقيق فيها بكل جدية.