هل المزاج الشعبي ما زال في أفضل حالات الجهوزيّة والحماسة؟نسرين زهرالدين

قد يوافق بعضهم على حقيقة التراجع في الحماسة الشعبية ويرى بعضهم الآخر أن التعبئة الجماهيرية لا تزال في أوجها.
شعبياً يسود جمهور الفريقين مزاج عام يتّسم بقلة الحماسة تجاه أي تحرك سياسي محتمل، فالبطالة والغلاء هما الأزمة الأهم، والحصول على فيزا من هذه السفارة أو تلك هو الشغل الشاغل للشبان ولا يعنيهم كثيراً «إذا بيظبط البلد أو لا»، فهم لا يرون فيه مستقبلاً لهم. أما أرباب العائلات، فلا يعنيهم التوصل إلى حل في ظل انهماكهم بالعمليات الحسابية لكي يتطابق راتبهم مع الأسعار.
على الصعيد الرسمي، معظم أقطاب 8 و14 آذار ماضون في تجاهلهم للهمّ المعيشي الأساسي وهم واثقون بسيطرتهم على الشارع، ويذهب البعض بعيداً في التفاؤل إلى حد اعتبار قاعدته الجماهيرية في أفضل حال واصفاً جهوزيتها بـ«الكاملة»، فيما تعترف قلّة قليلة بواقع اهتزاز الثقة الشعبية بالنظام السياسي والسياسيين.

الموالاة

يعترف المسؤول الإعلامي في الحزب التقدمي الاشتراكي رامي الريس بعدم اندفاع القاعدة الشعبية لفريقي الموالاة والمعارضة، ويرد ذلك إلى حالة المراوحة السياسية التي يعيشها لبنان، إضافةً إلى قرار معظم المراجع السياسية بعدم توتير الشارع.
ويؤكد إمكان تفعيل العمل السياسي وفق دستور الطائف، «وهذا هو المدخل السليم لاستعادة الحماسة الشعبية».
جمهور 14 آذار، حسبما يرى النائب القواتي فريد حبيب، آخذ في الازدياد والاندفاع «أكثر من أي وقت مضى في وجه من يتلقى أوامره من النظام السوري ـــــ الإيراني».
ويذهب عضو المكتب السياسي في حزب الكتائب ساسين ساسين بعيداً في تفاؤله بمدى حجم التأييد الجماهيري المطّرد لحزبه ولقوى 14 آذار، حيث يرى أن استمرار الاعتصام دافع لمزيد من الالتفاف الجماهيري حولهما، وخصوصاً مسيحياً، معترفاً بمرور قوى الموالاة بحالة ركود، «غير أنها تمكّنت حالياً من إعادة الأمور إلى نصابها بتحسين الخطاب السياسي».
ويصف ساسين الإقبال الشبابي وتلبية الدعوات الى النشاطات الحزبية داخل الكتائب بـ«الجيد» و«الآخذ في الازدياد» نظراً لوجود تضامن وتعاطف مع الحزب بعد اغتيال الوزير بيار الجميل.
ويوافق ساسين في التفاؤل بمدى القدرة على تعبئة الشارع واستنهاضه عضو كتلة المستقبل النائب مصطفى علوش، وإذ يقر بصحة الانطباع حول تراجع الحماسة الشعبية يعود ويؤكد أن ذكرى 14 شباط 2008 أظهرت أن الالتفاف الشعبي لم يفتر.

المعارضة

المعارضة بمعظم أقطابها تحمّل قوى السلطة مسؤولية حالة المراوحة السياسية وعدم التوصل إلى حل للأزمة، مما يصيب القواعد الشعبية بحال من الإحباط.
الوزير السابق وئام وهاب يرد أسباب التململ والتراجع لدى جمهور 14 آذار إلى «اكتشافه كذبة الحرية والسيادة والاستقلال» التي وعده بها زعماؤه بعد أشهر من اغتيال الرئيس رفيق الحريري «بينما سبب التراجع في جمهور المعارضة هو الإطالة في عملية الحسم التي وعد نفسه بإتمامها في وقت أسرع مما يحصل. والسبب في ذلك، يقول وهاب، حرص المعارضة على كسب المعركة والبلد معاً، إضافةً إلى طغيان المشكلة المعيشية التي تمثّل هم الناس الأساسي أكثر من أي هم سياسي آخر.
عضو اللقاء الوطني النائب السابق زاهر الخطيب يطرح مقاربة أخرى للأمور، إذ يرى أن القواعد الشعبية تتجاوز قياداتها في الاستعداد والجهوزية بهدف الضغط على قياداتها لإيجاد حلول لهمومها المعيشية الأساسية، ويعزو ذلك إلى «عدم مسؤولية السلطة وامتصاصها دم الشعب وتآمرها على لقمة الخبز وربطها أي تحرك مطلبي شعبي بخلفية سياسية».
«الجوع هو الهمّ الأساسي، ويطغى على كل الانتماءات السياسية»، هذا ما تؤكده المسؤولة الإعلامية في تيار المردة فيرا يمين «لكن أي خطاب سياسي، كطرح موضوع قانون الانتخاب بشكل جديّ، مثلاً، يكفل إعادة الحماسة إلى الشارع لكونه أساساً لإيصال أصوات الناس».
وتشير يمين إلى يقينها بإمكان استعادة الاعتصام المفتوح في وسط بيروت زخمه عند أي حدث مفصلي، آملة نجاح التحرك المطلبي يوم 7 أيار المقبل وتحقيقه أهدافه، الأمر الذي يوافقها عليه المسؤول في التيار الوطني الحر آلان عون الذي يرى أن الحالة الشعبية الباردة يمكن تسخينها عند أي تطور سياسي.
عون، إذ يقر بوجود «تعب» في صفوف الرأي العام من طول وقت الأزمة وعدم وجود أفق للحل يقول إن الذهنية الحالية لفريق السلطة تراهن على الوقت لحصول تغيير ما لمصلحة هذا الفريق لأنه لا يريد حلاً حتى في موقفه من مبادرة الرئيس بري الحوارية الأخيرة، لكنه في الوقت نفسه متأكد من كون الفرز السياسي والخيارات السياسية لدى الرأي العام راسخة رغم الإحباط.
واظب معظم الشعب اللبناني منذ آذار 2005 على النزول إلى الشارع منقسماً بين هدفين: «الحرية والسيادة والاستقلال» أو «استقالة حكومة السنيورة»، اليوم، ومع تصاعد الأزمة المعيشية متمثلة بغلاء الأسعار الذي يثقل كاهل المواطنين, هل يمكن استعادة الحماسة والتحرك لتحقيق مطالب الناس؟ وهل يصح شعار «دعه يجوع فيثور»؟.


والإحباط يحشد
أوساط الموالاة والمعارضة تتفق نسبياً على اعترافها بالوضع المعيشي الكارثي، غير أن تصريحاتها تؤكد الواقع المؤلم السائد حيث التحرك المطلبي المعيشي لا ينتج تحركاً، بينما تتعزز قدرة القوى الرئيسية في الموالاة والمعارضة متمثلةً بتيار المستقبل وحزب الله على الحشد الجماهيري في مناسباتها السياسية.
النائب مصطفى علوش يكرر اتهام السلطة بربط أي تحرك مطلبي بخلفية سياسية.
ورغم اعتراف النائب السابق تمام سلام بالإحباط الشعبي بعد مضي أكثر من سنة دون التوصل إلى حل يبدي ثقته بقدرة القوى الرئيسية في الموالاة والمعارضة على حشد الجماهير بالزخم نفسه رغم الإحباط.