طارق ترشيشيانتهى نيسان المنصرم، «شهر الترغيب» الأميركي لسوريا وإيران، إلى نتائج جاءت معاكسة لتوقعات الإدارة الأميركية الجمهورية ورغبتها في التوصل إلى تسوية مع دمشق وطهران تفيدها في معركتها الانتخابية الرئاسية ضد الحزب الديموقراطي.
ويبدو أن هذه النتائج، التي لم ترح واشنطن، بدأت تنعكس على لبنان سخونة سياسية، يخشى أن تتحول سخونة أمنية في الأيام والأسابيع المقبلة، من شأنها أن تزيد في تعقيد الأزمة بين الموالاة والمعارضة، وتدفع بالاستحقاق الرئاسي إلى مزيد من التأجيل، وتمدّ في عمر حكومة الرئيس فؤاد السنيورة حتى نهاية السنة الجارية على الأقل.
فالترغيب الأميركي لدمشق كان محاولة مدّ جسور معها عبر العرض الإسرائيلي بإعادة الجولان إليها، مقابل معاهدة سلام بينها وبين تل أبيب، الذي نقله رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان، وذلك في موازاة توكيل القاهرة بتحقيق تهدئة على الساحة الفلسطينية بين «حماس» وإسرائيل يكرّس اتفاقاً شبيهاً بـ«تفاهم نيسان» الذي تم التوصل إليه بين المقاومة وإسرائيل في جنوب لبنان عام 1996، بحيث يشمل هذا التفاهم غزة أولاً والضفة الغربية ثانياً، وذلك بعد فشل الحملة العسكرية والحصار على غزة، مما فرض هذه التهدئة والاعتراف بدور «حماس» السياسي والأمني.
أما الترغيب الأميركي لإيران فقد أتاح لها التمدّد اقتصادياً في اتجاه باكستان والهند عبر مدّ أنبوب الغاز عبر الأراضي الباكستانية إلى شبه القارة الهندية، ودلّ هذا الأمر على فشل الحصار الاقتصادي الأميركي على طهران، بدليل أن واشنطن سمحت لحليفتيها إسلام أباد ونيودلهي بالتزوّد بالغاز الإيراني. وتضاف إلى ذلك رزمة الحوافز التي قدمتها الدول السبع لإيران، ومنها تزويد طهران بالوقود النووي السلمي في مقابل تخلّيها عن برنامجها النووي.
ولكن هذا الترغيب الأميركي لم ينجح ولم يحقق ليونة في الموقف الإيراني، فاصطدم بتعليق إيران مفاوضاتها الأمنية مع الولايات المتحدة في شأن العراق إلى أن توقف القوات الأميركية هجماتها البرية والجوية على مدينة الصدر و«جيش المهدي».
وعلى الجبهة السورية لم تقبل دمشق صيغة العرض الإسرائيلي للانسحاب من الجولان، ووضعت شروطاً لا تختلف عن الشروط التي كان الرئيس الراحل حافظ الأسد قد وضعها.
على أن هذا الترغيب الأميركي لسوريا وأجواء التهدئة مع «حماس» وإيران ترافقت لبنانياً بإيحاءات بعض أركان فريق 14 آذار بأنهم يميلون إلى التهدئة على جبهة النزاع بينهم وبين فريق 8 آذار.
غير أنه بعد فشل هذه التوجهات الأميركية «الليّنة والإيجابية» إزاء دمشق وطهران، انقلبت الساحة اللبنانية إلى التسخين السياسي والأمني على مقربة من موعد زيارة الرئيس الأميركي جورج بوش في 13 من الجاري إلى المنطقة، والذي يصادف موعد جلسة مجلس النواب المقررة لانتخاب رئيس جمهورية والمهددة بالتأجيل، في ضوء فشل المحادثات الأخيرة للأمين العام لجامعة الدول العربية عمرو موسى مع فريقي الموالاة والمعارضة، حيث إن بوش سيحاول الضغط على المحور السوري ـــ الإيراني الممانع، وتهيئة الأجواء قبيل مناقشة مجلس الأمن الدولي تقرير تيري رود لارسن بشأن القرار 1559 بالضغط على المقاومة عبر بعض الأطراف الداخلية، وخصوصاً بعدما اعترفت إسرائيل بلسان وزير دفاعها إيهود باراك بصعوبة شنّ حرب جديدة على هذه المقاومة، وقوله إن صواريخ «حزب الله» تطاول مكتبه في وزارة الدفاع.
وفي ضوء هذه المعطيات، أضحى الحوار الذي دعا إليه رئيس مجلس النواب نبيه بري خارج دائرة الفعل السياسي لأن الحوار «الجدي والمثمر» يدور خارج الحدود اللبنانية، فيما تلعب الساحة الداخلية دور تبادل أوراق الضغط، في الوقت الذي تراجع فيه دور بعض الدول الغربية المؤثرة في ساحات لبنان وفلسطين والعراق نتيجة اعتبارات كثيرة، لعلّ أبرزها الموقف الأميركي الذي يحاول تجميد الأوضاع في هذه الساحات إلى ما بعد انتخابات الرئاسة الأميركية.
وفي ضوء كل هذه المعطيات، يتوقع سياسيون واسعو الاطلاع أن تكون الأسابيع اللبنانية المقبلة ساخنة بقرار أميركي كان قد عكسه أخيراً مساعد وزيرة الخارجية الأميركية لشؤون الشرق الأدنى ديفيد ولش، ويخشون من أن تتطور هذه السخونة السياسية إلى سخونة أمنية، تطير معها جلسة انتخابات الرئاسة المقررة في 13 من الجاري، وخصوصاً بعدما نشأت جبهة جديدة مؤسساتية رسمية نتيجة النزاع الذي بدأ يدور بين الموالاة والمعارضة عبر مجلس النواب والحكومة، حيث إن هذه الحكومة ووزراءها رفضوا السماح لأي موظف في الإدارات العامة بالمشاركة في جلسات اللجان النيابية التي دعا إليها بري، ويخشى هؤلاء السياسيون أن ينعكس هذا النزاع على وحدة المؤسسات الأمنية والإدارية، إذ إن موقف الموالاة من اجتماعات اللجان النيابية قد يدفع المعارضة إلى الطلب من جمهورها عدم تنفيذ القرارات الصادرة عن أي وزير أو وزارة أو إدارة رسمية، وصولاً إلى عدم دفع الضرائب والاشتراكات المالية. وهذا ما قد يوسّع نوافذ الخلاف ويجعل من موضوع تضييق رقعة الأزمة والمأزق السياسي أمراً صعب التحقيق في القريب العاجل ويؤجل الحل حتى نهاية السنة الجارية على الأقل.