دفع هاجس المعيشة والأمن، إلى اقتراح «المواطنية والجامعة» محوراً لليوم الفلسفي الطويل في كلية الآداب والعلوم الإنسانية ــ الفرع الرابع في زحلة. فالنشاط بات تقليداً سنوياً يكرّسه عدد من الأساتذة المؤيّدين للدولة المدنيّة، ويجمع كل الأقسام الفلسفية من كل الفروع
هاني نعيم

يسعى اليوم الفلسفي في كلية الآداب والعلوم الإنسانية ــــ الفرع الرابع إلى خلق العقل النقدي لدى الطلاب وربطهم بمحيطهم لحمل القضايا الإنسانية بكل مستوياتها، كما تقول أستاذة الفلسفة والمديرة التنفيذية لجمعية تنمية الموارد المحلية، الدكتورة بتول يحفوفي. كذلك فالنشاط يعكس الفلسفة النظريّة على أرض الواقع، على حد تعبير الدكتور عفيف عثمان.
أما مداخلات المشاركين فقد تناولت مفهوم المواطنة ودور الجامعة في بلورة وتكريس قيمها، فيما انتقد البعض صيغة النظام اللبناني لكونها صيغة أزمات.
وبعدما قدّم مدير الكلية الدكتور نديم مراد لمحة تاريخية عن نشوء المواطنة فكراً وممارسةً، دعا إلى فصل الدين عن الدولة كطريق للوصول إلى المواطنة الحقّة. وهنا تساءلت يحفوفي: «ما هي مؤشّرات الهويّة الوطنية اللبنانية؟»، لم تنتظر كثيراً حتى جاءها الرد من أحد الطلاب: «أيّ هويّة والوطن لم نتفق على مساحته بعد؟»، وأيّده بذلك الدكتور نجم حداد قائلاً: «الجامعات اللبنانية والخاصة تقود إلى بناء شخصيات مختلفة بثقافات منوّعة، فماذا نتوقع؟».
ونال كتاب التاريخ الموحّد، حصّته من النقاش، فكاد الجميع أن يتّفقوا على «أنّ غياب الكتاب الموحّد للبنانيين، يؤكّد بشكل أو بآخر أننا ما زلنا بعيدين كثيراً عن أن نكون مواطنين، بما أنّ الطوائف لا تزال قابضة على أرواح الناس ومؤسسات الحياة في المجتمع».
وبما أنّ المواطنة هي عقد قانوني بين الفرد والدولة، دعت إحدى المتخرجات من القسم إلى إقرار قانون الأحوال الشخصية والزواج المدني، على الأقل بشكل اختياري لمن لا يريد الانتماء إلى طائفته.
ولم تسلم الجامعة اللبنانية من الانتقاد، فشدد عدد من الطلاب والأساتذة على أهميّة إدخال مواد خاصة بالتربية المواطنية ضمن البرامج الدراسيّة، لانّ «التربية أساس بناء ذهنيّة المواطنة»، كما قال الدكتور علي دحروج.
وبالنسبة إلى دور الجامعة، أجرى الدكتور زاهي ناضر مقارنة بين الجامعة اليوم والجامعة قبل عام 1975،حيث أدت دوراً وطنياً في بناء المواطنية وخلق بوتقة جامعة للبنانيين، أما اليوم فهي صورة عن المجتمع اللبناني المنقسم والمفكك.
وعلق طالب الماجستير في الفلسفة أنجلو بعيني في مداخلته على طائفيّة الجامعة اللبنانية وكيفيّة تقاسم المراكز والمسؤوليات فيها، وابتعادها عن تبنّي ودعم أفكار الطلاب ونشاطاتهم الأكاديميّة، ما يؤخر تقدمهم، مشيراً إلى أنّ «بناء الجامعة الحديثة هو مدخل للمواطنية».
لم يتوقّف طرح إشكاليّة المواطنية على لبنان، فقد تحدثت الطالبة الجزائرية جويدة جاري، التي تعدُّ رسالة الدكتوراه في الفلسفة المعاصرة، عن وضع المرأة في المغرب العربي حيث إنّ المجتمع لا ينظر إليها كإنسانة، ورأت في هذا المجال أنّ المرأة اللبنانية وصلت إلى درجة انتزاع حريتها والتعبير عن رأيها، وهذا يعني أنّ المواطنية هنا حالها أفضل من المغرب العربي. ثم قالت: «نعيش في بلادنا، انفصالاً في الهويّة، لأنّ التيارات الإسلامية الأصوليّة والأمازيغ والبربر يؤسسون لثقافات متناقضة داخل المجتمع».
يكاد هذا الجو يُفتقد في باقي فروع «اللبنانية»، حتى إنّ مثل هذا التقليد غائب عن باقي الاختصاصات، حيث العدوى الطائفية المتنقّلة تحوّل الفروع إلى كانتونات طائفيّة ــــ سياسيّة مغلقة تحمل ثقافة العنف ورفض الآخر بدلاً من أن تكون ساحة لقاء ورقيّ فكري ــــ ثقافي يؤسس لقيم مواطنية جديدة.
وقد أوصى اليوم الفلسفي بتطبيق اتفاق الطائف عبر الاعتراف بالواقع الاجتماعي الطوائفي بهدف تجاوزه باتجاه بناء هوية وطنية لبنانية في إطار دولة مدنية. ودعا المشاركون إلى العمل على تحقيق الديموقراطية التشاركية إلى جانب الديموقراطية التمثيلية، وتوحيد المصطلحات العربية في العلوم الإنسانية، وإنجاز كتاب التاريخ الموحّد، وإصدار قانون مدني اختياري للزواج.
ورأى اليوم الفلسفي أنّ الجامعة هي الفضاء الأرحب للقاء المختلفين فكراً وممارسةً، وضرورة تعزيز قيم الديموقراطية في الأنشطة الأكاديمية والجامعية، مؤكداً أهمية إدماج قيم المواطنية والجندر في المناهج الجامعية مع تطبيق نظام L.M.D. وسعي مجلس فرع الطلاب في الكليات إلى الترويج لقيم الديموقراطية والمواطنية.