نقولا ناصيففتح السجال الأخير بين رئيس اللقاء الديموقراطي النائب وليد جنبلاط وحزب الله باب الخلاف على أكثر من ملف عالق، ومؤجل، بين الموالاة والمعارضة، بعدما راوح نزاعهما على الحوار الوطني في الأسابيع الأخيرة مكانه بلا جدوى، فطوي الموضوع أو يكاد. ولأنهما يدركان أن انتخابات رئاسة الجمهورية في 13 أيار، أو في أي موعد لاحق، أفلتت من أيديهما حتى إشعار آخر، اتسمت الوجهة الجديدة للسجال بملفات بعضها عالق منذ تأليف حكومة الرئيس فؤاد السنيورة يتصل بالتعيينات الأمنية، والبعض الآخر بدور الأجهزة الأمنية وموقعها في النزاع الناشب بين قوى 14 آذار والمعارضة، والبعض الثالث بالملف الأكثر تعقيداً واستعصاءً على الحل حاضراً، وهو سلاح حزب الله.
بذلك يستعد طرفا النزاع للتكيّف مع أمر واقع طويل المدى، في محاولة كل منهما تسجيل نقاط على الآخر عبر التسابق إلى فتح ملفات تربك هذا الفريق أو ذاك.
وبعدما رسا التوازن الداخلي الأخير بين الطرفين حتى مطلع السنة الحالية على بقاء حكومة السنيورة من جهة واستمرار اعتصام المعارضة في وسط بيروت بالتزامن مع إقفال مجلس النواب، يلتقي الموقف السلبي لجنبلاط من حزب الله مع ما يقول دبلوماسي في دولة غربية كبرى من أن الحزب يعرقل انتخاب رئيس جديد للجمهورية كي لا يواجه في المرحلة المقبلة مناقشة جديدة لسلاحه. وفي واقع الأمر أعاد الزعيم الدرزي طرح الموضوع من باب مختلف وغير متوقع في توقيته ومضمونه، فيما كان بعض حلفائه يتحدّثون عن تباين في الرأي معه حيال الدعوة إلى الحوار الوطني. إنه باب مراقبة حزب الله المطار ومدّه شبكة اتصالات هاتفية. لم تكن هذه المرة الأولى التي يثار فيها ملف الشبكة، بعدما انتقدتها تكراراً في الأسابيع الأخيرة حكومة السنيورة والوزير المختص مروان حمادة. إلا أن وضع جنبلاط يده على هذا الملف أتاح ربط شبكة الاتصالات بمراقبة المطار، والاثنين معاً بسلاح حزب الله، ليعبر منهما إلى فتح سجال ظاهره على دور جهاز أمن المطار، وباطنه على حزب الله كخطر حقيقي على قوى الغالبية النيابية، وسعيها إلى تكوين سلطة تكون هي وحدها الممسكة بكل مفاصلها. وهو مغزى كلام الغالبية عن دولة لا تراها إلا على صورتها، ومشروع سياسي هو مشروعها الذي يتناقض مع مشروع حزب الله.
لكن سجال الأيام الثلاثة الأخيرة، والاتهامات المتشعبة المتبادلة التي رافقته، أبرَزَا معطيات من بينها:
1 ــــ العودة إلى الخلاف على دور الأجهزة الأمنية. ورغم أن لا أسباب جوهرية لهذا الخلاف في ما بينها في الوقت الحاضر، ولا تضارب في الصلاحيات وتبادل المعلومات أو حجبها على نحو ما شهده خلاف الموالاة والمعارضة قبل أكثر من سنة ونصف سنة، بين وزير الداخلية بالوكالة آنذاك أحمد فتفت والمدير العام للأمن العام اللواء وفيق جزيني فطالب بإقالته ثم طوى الموضوع، وبين الأمن العام وفرع المعلومات في الأمن الداخلي، وبين الأخير ومديرية المخابرات في الجيش، وقبل ذلك الخلاف على موقع رئيس جهاز أمن المطار العميد وفيق شقير الذي لم تشمله التشكيلات الأمنية في مرحلة ما بعد تأليف حكومة السنيورة بسبب تمسك الفريق الشيعي ببقائه في منصبه، إلا أن ذلك لم يبدّد النزاع بين قوى 14 آذار والمعارضة اللذين ظلا يتقاسمان الأجهزة الأمنية. عوّلت الموالاة على فرع المعلومات في قوى الأمن الداخلي، والمعارضة، وتحديداً الفريق الشيعي فيها، على الأمن العام وجهاز أمن المطار، بينما حيّد قائد الجيش العماد ميشال سليمان مديرية المخابرات بأن اقترنت بمرجعيته هو من دون أن تدين لأي من طرفي النزاع بموقف، وكان بادياً أن جنبلاط حيّد بدوره مديرية المخابرات عن حملته على جهاز أمن المطار وحزب الله، مع أن الغالبية اقتطعت حصة لها داخل المديرية في مناصب رئيسية كي تكون على مقربة من المعلومات في الجهاز الأكثر تمرّساً وخبرة. ولا يحجب ذلك واقع إدخال الأجهزة الأمنية في لعبة التوازن السياسي والمذهبي.
2 ــــــ مع أن حكومة السنيورة تتجنّب أي مواجهة مع المعارضة في ملف الأجهزة الأمنية تعييناً أو إقالة خارج نطاق تفاهم متبادل، وهو ما تنبّهت إليه تكراراً في خلافاتهما، سواء على الأمن العام أو فرع المعلومات في قوى الأمن الداخلي، فإن أدقّ ما تواجهه في موضوع المطار، ليس رئيس جهاز أمنه، بل الولوج إلى داخله للسيطرة على الحركة الأمنية فيه. وهي مسألة تبدو دقيقة كذلك في نظر حزب الله نظراً إلى أن المطار يدخل، في حساباته على الأقل، في المنطقة الأمنية الواقعة تحت رقابته بسبب مجاورته الضاحية الجنوبية. ولعلّ أحد مظاهر ما ترتّب على السجال الساخن بين جنبلاط وحزب الله، وقد تجاوز موضوع المستوعبات إلى طرح الشكوك في الجهات الأمنية النافذة في المطار، اندلاع صدامات في الشارع ذات طابع سنّي ـــــ شيعي كانت قد توقفت تماماً إثر اجتماع عقد قبل نحو شهرين في مديرية المخابرات بين طرفي النزاع بمشاركة قوى الأمن الداخلي وفرع المعلومات فيه. حينذاك مثّلت التطمينات المتبادلة بين الفريقين المعنيين ضمانات للمسؤولين الأمنيين بوقف مسلسل الاشتباكات المذهبية في الشوارع. سرعان ما اتخذ السجال على توسيع حزب الله لنطاقه الأمني سبباً لإيقاظ دوافع الاشتباكات المذهبية. وبذلك تبادل الفريقان، وقد نفيا لاحقاً مسؤوليتهما عن حوادث الشارع، المناورة نفسها بتخويف أحدهما الآخر بالفتنة المذهبية إن هو عمد إلى الإخلال بتوازن القوى القائم بينهما منذ أشهر.
ومع أن الحزب لم يدافع صراحة عن دوره في المطار على نحو تشبّثه بشبكة الاتصالات الهاتفية جنوبي نهر الليطاني وشماله، فإن ترابط الأمرين أوجد سبباً للانتقال بالخلاف بين الموالاة والمعارضة من الحوار وانتخابات الرئاسة إلى ملف أكثر تعقيداً، هو رغبة هذا الفريق أو ذاك، داخل الحكم أو خارجه، في الإمساك بالملف الأمني إمساكاً فعليّاً.