strong>اكتفى الاتحاد العمالي العام، وداعموه السياسيون، بتنفيذ الإضراب العام من دون التظاهرة التي كان مقرراً لها أن تنطلق من البربير باتجاه كورنيش المزرعة، وصولاً إلى مار الياس فالقنطاري بالقرب من مصرف لبنان
محمد وهبة

لم يمنع إلغاء الاتحاد العمالي العام لتظاهرته أمس من اندلاع سجال بين محافظ مدينة بيروت ناصيف قالوش ورئيس الاتحاد غسان غصن بشأن الترخيص أو العلم والخبر للتظاهرة، فلماذا عُلّقت التظاهرة؟ وبماذا انشغلت قيادة الاتحاد أمس؟
الملابسات بدأت ظهر أول من أمس، حين تلقّى غصن اتصالاً من محافظ مدينة بيروت، ناصيف قالوش، يطلب منه التوقيع على «النموذج» الذي أرسله إليه مع أحد ضباط قوى الأمن الداخلي للحصول على ترخيص بتنفيذ التظاهرة، ولكن غصن رَفَضَ التوقيع بعدما تبيّن أنه سيوقّع «وثيقة» يعترف فيها بأن مسؤولية حصول فوضى وشغب في التظاهرة تقع على المنظّمين، أي قيادة الاتحاد العمالي العام، وهذا أمر لم يكن وارداً بأي شكل...
وفي المؤتمر الصحافي الذي عقده أمس للرد على «ادّعاءات» غصن، أظهر قالوش حرصاً واسعاً من قوى السلطة على تنفيذ بنود قانون التظاهر بكاملها، تحت شعار «حماية أمن المتظاهرين». ولكنه، بحسب غصن، لم يصرّ كثيراً في المكالمة الهاتفية على الحصول على النموذج موقّعاً من غصن، ربما لأنه مدرك بأن كل التظاهرات السابقة لم تستحصل على مثل هذا النموذج، بل كان تركيزه منصبّاً على تعديل خط سير التظاهرة لتنطلق من البربير باتجاه رأس النبع ــ بشارة الخوري. والأكثر دلالة على هذا الأمر، أن وزير الداخلية والبلديات حسن السبع كرّر هذا الطلب، مساء أوّل من أمس، أيضاً، فتلقّى الإجابة نفسها. وقد فُسّر هذا الأمر بأن قوى السلطة تحاول تحييد السوق التجاري في مار الياس عن الإضراب، لتظهر عدم فاعلية الإضراب في القسم الأكبر من بيروت.
على أي حال، كان أعضاء قيادة الاتحاد يعوّلون على حشود قوى المعارضة، وعندما تبيّن أنها لن تتوافر بسبب الأجواء الملتهبة منذ الصباح، صاروا ميّالين إلى تعليق الإضراب، وبدأت الصورة تتضح. فقد كان مستغرباً عدم توجيه دعوة شعبية من «حركة أمل» للمشاركة، فيما كان «حزب الله» في الواجهة الإعلامية، من دون أن يكون لعناصر الانضباط التابعة له أي دور فعلي، فاستمر طرح السؤال التالي حتى الظهر: «أين ذهبت حشود حركة أمل؟».
وعندما بدأ المُضربون بحرق الإطارات في الطرق المؤدية إلى وسط بيروت: مرفأ بيروت ــ زقاق البلاط ــ سليم سلام، بالتزامن مع إقفال القوى الأمنية للطريق بين مصرف لبنان وبرج المر، صارت المنافذ لبلوغ السرايا الحكومية مقطوعة، فاقترح أحد قادة الاتحاد تعليق التظاهرة لكي لا يفهم من الإصرار عليها، أن هناك نيّة لحصار السرايا، ولا سيما مع وجود حشد «غير مبرر» في مخيم المعارضة.
ولكن العنصر الحاسم في اتخاذ قرار التعليق، كان المعلومات التي استمرت بالوصول إلى الاتحاد العمالي منذ عشية الثلاثاء، والتي تفيد بوجود قناصة على أسطح المباني السكنية، وتظاهرة قابلة للاشتعال في لحظات التجمّع في البربير. وهذا الأمر دفع أحزاب المعارضة إلى إعطاء تعليمات لعناصرها «بالرد على كل ضربة كف بمثلها... وأقوى قليلاً». وأُبلغ تيار المستقبل بهذه التعليمات عبر وسطاء، وخصوصاً أن مفتي الجمهورية محمد رشيد قباني كان قد ألغى الموعد المحدد مع قيادة الاتحاد قبل الإضراب، التي كانت تعتزم الوقوف على رأيه بتحركاتها التصعيدية.
وعند العاشرة من صباح أمس، عُقد اجتماع في الاتحاد عرض هذه النقاط، وتقرر تأجيل التظاهرة، على أن يعلن هذا الأمر في مؤتمر صحافي يُعقد عند الحادية عشرة والنصف، تُحمّل فيه الحكومة مسؤولية أمن الإضراب، وللإيحاء، بمعنى ما، بأن «نقابية» الإضراب انتهت، والسيطرة على التطورات اللاحقة من مهمة السلطة، علماً بأن ثمة من ذَكّرَ بضرورة «التنصّل من التطورات ما دام الأمر ممكناً... لأن منطقتي البربير وطريق الجديدة لم تعودا تتحمّلان هذا النوع من الضغط».
ولم تغب التحاليل السياسية عن قيادة الاتحاد العمالي العام في يومها «الصاخب» أمس، إذ كانت مستغربة لصمت وزراء الحزب التقدمي الاشتراكي «الذين دفعوا وزراء تيار المستقبل والأكثرية إلى مواجهة المعارضة تحت عنوان إقالة العميد وفيق شقير من جهاز أمن المطار». وقال قيادي في الاتحاد إن القوات اللبنانية أعربت عن «ذكاء أكبر»، حين حيَّدت المناطق المسيحية عن مواجهات كالتي حصلت في إضراب 23 كانون الثاني 2007، ولذلك اقتصر الأمر في هذه المناطق على «إغلاق قسري بفعل الخوف» وتجمعات قليلة غير مؤذية، ولكنها تركّزت في المناطق التي دعا فيها حزب الطاشناق إلى المشاركة في الإضراب، أي منطقة برج حمود ومداخلها.
وأكثر التحليلات أو المعلومات التي تداولها، أمس، أعضاء قيادة «العمالي»، هي تلك المتصلة بالثمن المطلوب لفك حصار المطار.