ابراهيم الأمينلم تكن هناك حاجة الى المزيد من التوضيحات في الكلام الذي أطلقه الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله. كان حاسماً في اعتبار قرارات حكومة الرئيس فؤاد السنيورة بمثابة إعلان حرب تقف الولايات المتحدة وإسرائيل وحلفاؤهما العرب خلفها، ما يوجب حسب مداخلته مواجهتها. لكن الجديد الذي سيربك الساحة هو إعلان نصر الله مغادرة منطقة الحياد الإيجابي التي سكنها نصر الله وحزب الله طويلاً والتي يقوم منطقها على اعتبار أن ما يجري لا يتجاوز الخطوط الحمر وقابل للاستيعاب. لكن جاءت التطورات الأخيرة لتقول بأنه لم يكن هناك إمكان للبقاء في هذه الدائرة، وأن الأمر يوجب الانتقال الى الدائرة الحمراء التي تؤدّي عملياً الى موجة من العنف الذي يأخذ البلاد الى فوضى وحرب أهلية.
قال نصر الله صراحة إن الحزب لا يريد الدخول في حرب أهلية ولا هو راغب في المواجهة ذات الطابع المذهبي، وإنه مستعد للحل من خلال إعادة الأمور الى ما كانت عليه قبل قرارات الحكومة الاخيرة. لكن هذا الموقف يعكس عملياً أن الحزب بات في وارد الذهاب الى أبعد مما ظن كثيرون سابقاً. وبالتالي فإن حركة الحزب على الأرض تأخذ شكل المتحسب لمواجهة شاملة، لا تقف عند حدود مجموعات تيار «المستقبل» الآتية بمعظمها من مناطق بعيدة في الشمال والبقاع، بل تلامس كل من يراه الحزب مسؤولاً عما يجري، وكان لافتاً تحديد السيد نصر الله لهوية رئيس الحكومة بأنه وليد جنبلاط، مع ما يعني ذلك من موقف يحمّل جنبلاط مسؤولية ما يحصل وبالتالي إشعاره بأنه مسؤول وعليه تحمّل المسؤولية.
وإذا كانت التطورات الميدانية غير قابلة لحصرها في دائرة أو في مكان، فإن المناخ السياسي الذي يرافق هذه المواجهة، يأخذ بعين الاعتبار أن فريق السلطة لم يكن مضطراً الى القيام بما قام به لولا شعوره بأن عليه واجباً والتزاماً، وتظهر مداولات الجلسة الاخيرة للحكومة أن هناك من تحفظ على التوجه، لناحية البحث في شكل آخر، مثل القول بأن أمر شبكة الاتصالات يمكن أن يعالج من خلال دوائر أمنية ووزارية معنية، وكذلك ملف رئيس جهاز أمن المطار الذي لا يحتاج الى قرار من الحكومة. لكن الواضح أن القرار كما صدر يعكس الحاجة إليه كوثيقة تسجل عند الغير، وتحديداً عند القوى المؤثرة خارجياً.
ويلفت مصدر قيادي في المعارضة الى أن الأمور بدت واضحة منذ مدة لا الآن، لأن طبيعة المداولات التي تخص ملف شبكة الاتصالات وملف العميد وفيق شقير، كما عرض السيد نصر الله لتفاصيلها، كانت تفتح الباب أمام تسويات لمن كان يرغب في الوصول الى تسوية. ومع ذلك فإن الفريق واصل سيره باتجاه ما انتهى إليه. ويرى المصدر أن الأصل يعود الى بعض الوقت، حين أبلغت الولايات المتحدة الأميركية الحلفاء في لبنان أن عليهم المبادرة وعدم الاكتفاء بالمطالبة والمناشدة فقط، وأن أقل الإيمان أن يبادروا الى خطوات شبيهة بتلك التي أقدم عليها رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس تجاه حركة حماس قبل أن يستنجد بالعالم لدعمه، وان الطلبات الى فريق السلطة في لبنان عاد وكررها ديفيد وولش عند زيارته الاخيرة الى لبنان، وهو الأمر نفسه الذي كان تيري رود لارسن قد طلبه من دبلوماسية 14 آذار.
وسرد المصدر ما يعتبره مسلسل «التحرش النوعي» بقوى المعارضة كافة، بدءاً بالحملة المستمرة على الرئيس نبيه بري واتهامه بإقفال المجلس النيابي بصورة كاملة ومن ثم إشعاره بأنه غير مرغوب فيه إلا شريكاً لهم، وهو تعرّض لعملية ضغط لم تكن ذروتها قرار السعودية عدم استقباله وتعامل مصر بلامبالاة مع زيارته، وكذلك تجاهل الجانبين الأوروبي والأميركي لمبادراته الحوارية. ثم كانت الحملة تشنّ دون توقف على العماد ميشال عون، بدءاً بحملة التهويل على وضع التيار الوطني الحر الداخلي واتخاذ مناقشات داخلية منصّةً للحديث عن ضرب التيار من الداخل، مروراً بحادثة زحلة التي ووجه فيها حليف عون الأساسي النائب إيلي سكاف بعد سلسلة من التحرشات بمناصرين لعون في أحياء وجامعات وصولاً الى إخراج النائب ميشال المر من كتلة عون ضمن حملة تهدف الى ضرب قواعده الشعبية وحملة ضغوط على رؤساء البلديات والمخاتير، ثم الشروع في عملية إنفاق مالية في مناطق نفوذ عون. وكان الأمر نفسه يجري في طرابلس وإقليم الخروب والبقاع الغربي حيث النشاط الاضافي لفريق السلطة الأمني والمالي بقصد إضعاف التجمعات السنية التي نجحت المعارضة في استقطابها.
ويضيف المصدر القيادي في المعارضة: بعدما فشلت مساعي الاحتواء والضغوط لم يجد هؤلاء أمامهم إلا السير نحو المكان الأكثر حساسية، وهنا ظهرت الحاجة من جديد الى دور خاص لجنبلاط الذي تخصّص في هذه الأمور، وكانت الحملة التي انطلقت تحت عنوان شبكة الاتصالات الخاصة بالمقاومة وأمن مطار بيروت الدولي، وفق سياق يهدف عملياً الى فرض وقائع جديدة من الإمساك بكامل مفاصل البنى الأمنية والمرافق الاساسية في الدولة وفق المنطق الذي يتحكم بعمل الاجهزة الامنية الخاضعة لسلطة فريق الاكثرية.
وبحسب هذا المصدر فإن استسهال الحكومة اتخاذ هذه القرارات عنى للمقاومة واحداً من أمرين: إما أن الفريق الحاكم لم يعد يملك مبادرة الاعتراض على الطلبات الخارجية، وإما أنه كان يعتقد بأن الأمور سوف تسير من دون ردة فعل. وفي الحالتين، يرى المصدر أن هذا الفريق ارتكب الخطأ الكبير الذي قاد الى خيار الرد والمواجهة وهو الخيار الذي لم تظهر كامل معالمه حتى اللحظة. لكن كان لا بد من اللجوء الى المواجهة المباشرة ـــــ يضيف المصدر ـــــ وباللغة التي تفتح أعين الفريق الحاكم على أن البلاد قابلة للاحتراق بصورة تسقط كل مصالحهم دفعة واحدة وتعيد فرض وقائع من نوع مختلف.
وإذا كان نصر الله أبقى الباب مفتوحاً أمام حل سهل ومن شأنه إدارة الامور صوب حلول متكاملة، وبالرغم من أن النائب سعد الحريري رد بسلة حوارية فيها بعض الاختلاف، فإن الاخير حاول ترضية المقاومة بترك قرارات الحكومة خارج مهمة التنفيذ، فيما طالب في المقابل بالتراجع عن شرطي الحكومة وقانون الانتخاب لانتخاب رئيس جديد. ويبدو أن ما دفع الحريري الى هذه الدعوة يأخذ بالاعتبار أموراً عدة أبرزها حقيقة ما يحصل في بيروت.