حدّد الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله شرطين للخروج من الأزمة الحالية، يتمثلان بإلغاء القرارات التي أصدرتها الحكومة، والمتعلقة بشبكة الاتصالات التي يملكها الحزب وبإقالة رئيس جهاز أمن المطار، وبتلبية دعوة الرئيس نبيه بري إلى طاولة الحوار.وقال نصر الله في المؤتمر الصحافي الأول الذي يعقده منذ انتهاء حرب تموز إن لبنان يعيش «مرحلة جديدة» بعد قرارات الحكومة في جلستها الأخيرة، مشبّهاً تاريخ تلك الجلسة باغتيال الرئيس رفيق الحريري.
ورأى نصر الله أن قرار الحكومة المتعلق بشبكة الاتصالات «هو بمثابة إعلان حرب وبدء حرب من الحكومة على المقاومة، وسلاحها لمصلحة أميركا وإسرائيل وبالنيابة عنهما». ورأى نصر الله أن ما يجري «ليس قتالاً في الداخل، بل مثل القتال الذي كان في عيتا الشعب وعلى أطراف بنت جبيل وعيناتا»، كاشفاً أن الحزب كان قد أعد خططه لمواجهة حربين: واحدة إسرائيلية وأخرى داخلية.
ورأى نصر الله أن الحكومة تهدف إلى «دفع الجيش والقوى الأمنية إلى مواجهة مباشرة مع المقاومة من خلال إيكال الأمر إليهم لنزع وتعطيل هذه الشبكة».
وأضاف إن من أهداف القرار «تجريد أهم عنصر يحمي قيادة المقاومة وكوادرها وبنيتها التحتية، ويهدف إلى كشفها كمقدمة للاغتيال والقتل وتدمير بنيتها التحتية».
ورأى نصر الله أن شبكة الاتصالات الخاصة بحزبه هي بمثابة سلاح الإشارة في أي جيش تقليدي، و«هو سلاح متقدم في أيّ منظومة عسكرية»، مذكّراً بما قاله بحضور النائب وليد جنبلاط في خطاب ذكرى الانتصار في أيار 2005 في بنت جبيل، من «أن اليد التي تمتد إلى سلاح المقاومة مين ما كانت ومن اين ما اتت سنقطعها»، معتبراً أن «اليوم هو يوم الوفاء بهذا القرار».
وردّ نصر الله على كلام وزير الإعلام بعد جلسة مجلس الوزراء، بأن من الخطأ اعتبار أن شبكة الاتصالات تؤمّن حماية لحزب الله، بالقول إن «الكثير من كوادر المقاومة وقيادييها استشهدوا بسبب فقدان الاتصال السلكي في بعض المواقع والاضطرار إلى استخدام اللاسلكي أو الخلوي». وأضاف إن «أهم توصية لتقرير فينوغراد هي ضرورة القضاء على قدرة ومنظومة القيادة والسيطرة لدى حزب الله، التي يمثّل عامل الاتصال عاملاً حاسماً فيها».
ووضع نصر الله إثارة الحكومة لموضوع الاتصالات والمطار ضمن سياق «رهانات على تطورات إقليمية ودولية سقطت، ورهانات على حروب تراجعت»، متسائلاً عن سبب عدم إثارة الموضوع قبل التحالف الرباعي، وعند وضع البيان الوزاري وعدم اعتبار شبكة الاتصالات اعتداءً على السيادة والمال العام، متهماً الموالاة بإثارة الموضوع بعدما أصبح التحالف الرباعي «أضغاث أحلام»، وبعد توصيات فينوغراد وحديث دايفيد ولش عن الصيف الساخن و«بعد لارسن وتقريره غير النافع إلّا إذا استند إلى ما قالته الحكومة اللبنانية، وبعد تقرير وزارة الخارجية الأميركية».
وتحدّث نصر الله أن موضوع شبكة الاتصالات كان محور مفاوضات بين الحزب والسلطة عبر قيادات أمنية رسمية خلال الأشهر الماضية، وأن هذه المفاوضات وصلت إلى «نتائج معينة ومحددة وأجبنا عن كل الأسئلة»، وأن المفاوضين طرحوا إزالة كابل ممدود من الضاحية إلى بيروت الغربية. وقال نصر الله إن هذا الكابل مُدِّد في حرب تموز 2006 بعد أيام من قصف الضاحية، وإن الحزب أزال الكابل المذكور بعدما تعهّد المفاوضون إعادة مده في حال حصول عدوان إسرائيلي.
وأكد نصر الله أن حزب الله أوضح للمفاوضين عدم صحة ما يثار عن وجود شبكة اتصالات في جبيل وكسروان، إذ لا حاجة إليها، وإن خط الضاحية الجنوبية طبيعي ولا خطوط تمد عبره نحو حلفاء الحزب في الجبل، وإنها لا تحل مكان شبكة الدولة ولا تجرى منها اتصالات دولية. وأضاف: قلنا لهم إن هذه الشبكة لقيادات وكوادر المقاومة وليست للاستخدام العام. فذهب الضباط وقالوا إن الجو إيجابي والأمور على خير.
واتهم نصر الله قوى الموالاة بطرح مقايضة تقضي بغض النظر عن شبكة الاتصالات بفك مخيم الاعتصام، متسائلاً عما إذا كانت شبكة الاتصالات قانونية في حال قبِل الحزب عرض الموالاة، متهماً السلطة بالتصرف كـ«عصابة»، قائلاً «إنّ شبكة السلكي قرارها عندي، أمّا خيم الاعتصام، فقرارها عند كل المعارضة».
ووصف نصر الله الحكومة بـ«حكومة وليد جنبلاط»، قائلاً إن «فؤاد السنيورة مسكين وموظف عند جنبلاط وعندما يريد الأخير إقالة ضابط يقول للموظفين أن يقيلوا الضابط»، مضيفاً إن جنبلاط «موظّف عند كوندوليزا رايس».
وشن نصر الله هجوماً غير مسبوق على النائب وليد جنبلاط، واصفاً إياه بأنه «كاذب ولص وقاتل باعترافه هو»، واتهمه بإحضار النائب الفرنسي كريم باكزاد «عمداً إلى الضاحية من أجل توقيفه»، متحدثاً عن توقيف باكزاد في الزاروب المؤدي إلى منزله هو (نصر الله) حيث كان برفقة شخص من الحزب الاشتراكي.
وجزم الأمين العام لحزب الله بالقول إن الحزب لن «يتسامح بأمن أحد» من قادته، متّهماً الحكومة بالتواصل خلال جلستها التي اتخذت فيها القرارات الخلافية مع «الدول والعواصم نفسها التي غطّت حرب تموز».
ورأى الأمين العام لحزب الله أن الأمر «تجاوز كل الخطوط الحمر، ولا تساهل مع أحد، ونحن نعرف أيضاً، ومعلوماتنا تؤكد أن موضوع السلكي هو خطوة أولى تتبعها خطوات لاحقة، وإذا تساهلنا بموضوع السلكي، فغداً المعركة ستكون على الصواريخ المضادة للدروع، وعلى كل إمكانية تملكها المقاومة لتدافع عن نفسها وعن بلدها أو لتواجه أي عدوان إسرائيلي في المستقبل».
وعلّق نصر الله على إحالة موضوع الاتصالات على القضاء بالدعوة إلى التحقيق معه هو شخصياً، محذّراً من المسّ بمن سهّلوا لحزب الله وساعدوه على مد شبكة الاتصالات، معتبراً أن «المس بهم كالمس بسلاحنا»، ومن «يريد أن يعتقلنا سنعتقله، ومن يطلق النار علينا سنطلق النار عليه».
أما قرار الحكومة بإعادة رئيس جهاز أمن المطار العميد وفيق شقير إلى ملاك قيادة الجيش، فرأى نصر الله «أنه غير شرعي وصادر عن حكومة غير شرعية، والعميد شقير يبقى رئيس جهاز أمن المطار ويتحمّل مسؤوليته في أمن المطار». ورأى نصر الله أن التهمة الموجهة إلى شقير هي «سخيفة وتافهة، اسمها كاميرا على مستوعب يوجد مثلها آلاف الكاميرات في المنطقة ولبنان».
وأضاف نصر الله: «إن أي ضابط آخر يستلم مسؤولية جهاز أمن المطار هو منتحل صفة، وعليه أن يعرف نفسه أنه منتحل صفة، وأنّه محكوم عليه مسبّقاً بأنّه أتى لينفذ قرار تحويل مطار رفيق الحريري الدولي إلى قاعدة للـ CIA و الـFBI والموساد»، مهما كانت طائفته، لأن «الخيانة والعمالة لا دين لهما ولا طائفة».
ورأى نصر الله أن هذا الأمر ليس متعلقاً بشقير، مضيفاً إن «وجود ضابط وطني ملتزم بالقانون يعرفونه جيداً بوطنيته هو عقبة أمام تحويل مطار بيروت، مطار الرئيس الشهيد رفيق الحريري إلى قاعدة للمخابرات الأميركية والموساد والشاباك والشين بيت». وأضاف نصر الله إن الحكومة كانت تريد إقالة شقير قبل سنتين، وإن المعارضة تعرضت لضغوط كبيرة لاستبداله بعميد آخر، لكن هذه المحاولات جوبهت بالرفض. ورأى أن الحكومة لم تستطع إقالة شقير بعد انسحاب وزراء حركة أمل وحزب الله منها بسبب رفض الرئيس إميل لحود توقيع هذا المرسوم.
واتهم نصر الله الحكومة بإجراء محاكمة غيابية لشقير، كاشفاً أن نائب رئيس المجلس الشيعي الشيخ عبد الأمير قبلان اتصل برئيس الحكومة فؤاد السنيورة، وطالبه بإحالة شقير على القضاء إذا كان مخالفاً للقانون، وأنه سأله عن سبب وجود نية بإقالته إذا لم يكن مقصّراً.
وقال نصر الله إن الدفاع عن شقير ليس «دفاعاً عن ضابط شيعي بل دفاع عن ضابط وطني، لأنه عندما يستباح العميد شقير سوف يستباح كل الضباط الوطنيين في لبنان، وسيشهد كل ضابط بأن مؤسسته الأمنية لا تحميه ودولته لا تحميه والذين يحمونه هم الزعماء السياسيون، وآخر شيء لدينا في هذا البلد هو المؤسسة العسكرية، وإذا انهارت لا يبقى شيء».
وردّ نصر الله على مفتي الجمهورية الشيخ محمد رشيد قباني، من دون أن يسمّيه بالقول: سمعنا أصواتاً أمس لم نسمعها في عدوان تموز خلال 33 يوماً ولم نرَ هذه الحرارة وهذه الحماوة وهذه العاطفة وهذا الحماس عندما كانت إسرائيل قد هجّرت أكثر من مليون لبناني، ودمّرت أكثر من مئة ألف منزل واستباحت البنية التحتية اللبنانية وتهدّد لبنان كله.
وأضاف: لو كان الصراع على حكومة شراكة أو سلطة لكنّا قد اكتفينا بالموقف السياسي وبالتظاهرة والاعتصام، «وكل الحديث الذي يسمعه العالم العربي والإسلامي عن انقلاب وسلطة كلها أحاديث لا قيمة لها على الإطلاق. حقيقة ما يجري الآن في لبنان أنّ هناك فريقاً تابعاً وخادماً وملتزماً أمريكياً ينفّذ مشروعاً عجزت عنه أمريكا وإسرائيل، وهو نزع سلاح المقاومة، وهو قدّم التزامات بهذا منذ عام 2005 وعجز عن الإيفاء بهذه الالتزامات».
وطلب نصر الله من «الأمة الإسلامية أمراً واحداً هو التفهّم، وأن لا يجري تضليل الرأي العام العربي والإسلامي لأنّهم دائماً يهددوننا عند أبسط أمر بالفتنة المذهبية». ورأى نصر الله أن «المعركة اليوم ليست بين أناس شيعة وأناس سنة أو أناس بعضهم شيعة وبعضهم سنّة، كلا، اليوم هناك مشروع وطني مقاوم شريف، وهناك مشروع أمريكي يتصارعان، الذي يحب أن يكون هناك فليكن، والذي يحب أن يكون هناك فليكن، مهما كان لابساً، إن كان لابساً مئة عمامة أو مئة قلنسوة أو مئة زي دين مسلم أو مسيحي أو سياسي». وأضاف إن «مئات ملايين الدولارات أُنفقت خلال السنتين الماضيتين من أجل تشويه صورة حزب الله في العالم العربي والإسلامي ولكنها لم تشوّه».
ورأى نصر الله أن «حزب الله» وحركة «أمل» من جهة، ووعي «أهل السنّة والجماعة في لبنان، ووجود قيادات وطنية ودينية لدى أهل السنة والجماعة من جهة أخرى، يمثّلان ضمانة لعدم تحول الأمور إلى فتنة سنية شيعية. فأهل السنة والجماعة، وإن اختلفنا معهم في السياسة هم إخواننا في الدين والوطن وفي المقاومة وفي المصير».
وطالب نصر الله المملكة العربية السعودية بـ«عدم تكرار الخطأ الذي ارتكبته في بداية حرب تموز واضطرت إلى إصلاحه لاحقاً»، وألّا تكون «طرفاً في الموضوع الداخلي». كما تحدّث عن اتصالات أجراها السفير السعودي بالسفير الإيراني لوضع حد لما يجري، وبأن الأخير طرح على حزب الله وقف ما يجري في الشارع، وبأن الرد كان بضرورة عودة الحكومة عن القرارات التي اتخذتها.
أما القوات الدولية العاملة في لبنان، فقال إن سياسة الحزب لم تتغير تجاهها، مؤكداً في الوقت عينه عدم وجود نية لدى حزب الله لإحداث أي تغيير في تركيبة النظام اللبناني أو لتعديل اتفاق الطائف. ورفض نصر الله الكشف عن تفاصيل خطة المعارضة المستقبلية لناحية الاستمرار بإقفال المطار والبقاء في الشارع أو عدمه.