المعارضة والمستقبل يتريّثان والمفتي يبادر للتهدئة
طرابلس ـ عبد الكافي الصمد

طرح غياب قوى المعارضة في طرابلس والشّمال عن التجاوب مع دعوة الاتحاد العمّالي العام للإضراب يوم أوّل من أمس، تساؤلات عديدة عن الأسباب التي دفعت بهذه القوى إلى الانكفاء، لدرجة أعطت الانطباع بأنّها غير موجودة عملياً، وليس لها أي تأثير فعلي على الأرض، وجعل حركة الأسواق والسير شبه الطبيعية فيها يوم الإضراب، في عاصمة الشّمال تحديداً، رصيداً هامّاً حوّله «تيّار المستقبل» وفريق السلطة إلى حسابه الخاص.
إلا أنّ أوساطاً في قوى المعارضة أوضحت لـ«الأخبار» أنّ «أيّ قرار بتحركنا في الشّمال لم يتخذ بعد، نظراً لغياب التنسيق المتواصل بيننا ساعة بساعة، وعدم وجود غرفة عمليات مشتركة حتى الآن بين أطياف المعارضة المختلفة لإدارة الأمور، نظراً لوجود تباينات عدّة حول آلية عملنا وخطواتنا المستقبلية، ولعدم كشف كلّ أوراقنا مبكّراً»، معتبرة أنّ «تطوّر الأمور نحو الأسوأ سيكون في الشّمال أقسى وأشدّ وقعاً ممّا حصل في بيروت، إضافة إلى تفضيلنا تأخير تجرّعنا الكأس المرّة قدر الإمكان، حفاظاً على استقرار أمني مقبول ينعم به الشّمال حالياً، وسيكون من الصعب جدّاً إعادته إلى نصابه إذا خرجت الأوضاع عن السيطرةلكنّ هذا الحرص لم يكن مقتصراً على المعارضة فقط، إذ سارع «تيّار المستقبل» في الشّمال، على لسان منسّقه العام في الشّمال عبد الغني كبّارة إلى تأكيد تمسّكه «بالاستقرار والوحدة الوطنية والعيش المشترك»، شاكراً القوى السياسية ومؤسّسات المجتمع المدني في الشّمال «على هذا المستوى من الأداء الوطني الذي حافظ على هدوء الشّمال واستقراره»، لافتاً إلى أنّ «أبناء الشمال يؤكّدون حرصهم على بلدهم ومصالحهم ولقمة عيش أبنائهم»، ومتمنياً أن «يبقى الحرص قائماً ونبقى ضامنين لمصلحة البلد، وعدم التسرّع والانفعال، أو القيام بردّ فعل مهما كان، ومن أيّ جهة أتى».
ولم يقتصر تطوّر الأمور «إيجاباً» عند هذا الحدّ، إذ حرص «التكتل الطرابلسي» بدوره على التشديد على أنّ الأحداث الجارية «لا تخدم الأستقرار والسلم الأهلي، وأنّ أعمال العنف وفرض الأمر الواقع على المواطنين، والتحريض الطائفي والمذهبي مرفوضة من أيّ جهة أتت»، معتبراً أنّ «أيّ اندلاع للنّار المذهبية سيحرق الوطن، ويجعل جميع اللبنانيين مغلوبين وخاسرين».
غير أنّ الإشكال الذي شهدته مدينة الميناء أمس، نتيجة استفزاز بين مناصرين للرئيس عمر كرامي من جهة، وآخرين منضوين تحت لواء «أفواج طرابلس» المحسوبة على «تيّار المستقبل» من جهة أخرى، وأدّى إلى وقوع ثلاثة جرحى (أحمد صيداوي ونوري صيداوي من الأفواج، والأخير حالته حرجة؛ وأحمد حداد من تيّار كرامي)، دفع مفتي طرابلس والشّمال الشيخ مالك الشعّار إلى الدعوة لعقد لقاء مسائي موسّع في دار إفتاء طرابلس، للشخصيات والقيادات الإسلامية والدينية، في «محاولة لتجنيب الشّمال ما شهدته العاصمة من تطوّرات بالغة الخطورة»، حسب ما قال مصدر إسلامي مطلع لـ«الأخبار». وأوضح المصدر أنّ «مسارعة المفتي الشعّار إلى أخذ هذه المبادرة تعود إلى سببين: الأول تصحيح مسار دار الفتوى قدر الإمكان، وإبعادها عن الدرك الذي أوصلها إليه مفتي الجمهورية الشيخ محمد رشيد قبّاني، بعد خطابه الأخير تحديداً، الذي أثار قدراً من الاستنكار والاستغراب، أكثر ممّا أثار من التأييد، ولجعل دار الإفتاء في طرابلس مكاناً جامعاً لكلّ الفرقاء، لا تحويله إلى مقرّ محسوب على فريق سنّي دون الآخر بشكل فظ ومفضوح».
أمّا السبب الثاني لمبادرة الشعّار، فيعود وفق المصدر إلى تخوّفه وقوى سياسية أخرى من «نزول الحركات والقوى الإسلامية والأصولية، الموجودة بثقل لافت في الشّمال، إلى الشّارع، ما من شأنه أن يؤدّي إلى وقوع صدام دام، وستكون له عواقبه الوخيمة التي ما تزال آثارها راسخة في أذهان الكثيرين، فأتت خطوة الشعّار لنزع الفتيل قبل انفجاره، لعل وعسى».