أنطوان سعدحتى نهاية المؤتمر الصحافي للأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله، كان كل شيء متوقعاً تقريباً. فبعد السجال الذي دار في نهاية الأسبوع الماضي حول الكاميرا والمستوعبات في محيط المطار وتحضير الأجواء لقرارات مجلس الوزراء في تلك الليلة الطويلة، أتى رد فعل حزب الله وفق ما توقعه جميع المراقبين واللاعبين السياسيين. ولكن ما تكثر التساؤلات حوله هو الخطوة التالية التي سوف تأخذها الحكومة ومن ورائها قوى الأكثرية والدول الداعمة لها، إذا لم يقبل حزب الله بالعرض الذي قدمه رئيس تيار المستقبل النائب سعد الدين الحريري في مؤتمره الصحافي المسائي. وهو طرح مبادرة طابعها العام إيجابي ولكنها في العمق تعني تمسكاً بما تسبّب بالخلاف الناشب. فهذه الدول لم تنفكّ منذ أكثر من سنتين تعلن التأييد تلو التأييد لحكومة الرئيس فؤاد السنيورة، ولفريق الأكثرية النيابية، وقد يكون الوقت قد حان أخيراً لمعرفة نوعية الدعم المعلن.
وفيما تتوقع الأوساط القريبة من المعارضة أن يكون موقف حزب الله سلبياًَ مما عرضه الحريري، تتمحور تساؤلاتها في شكل خاص حول توقيت اتخاذ القرارات الحكومية الليلية ومصادفته مع اجتماع مجلس الأمن المخصص للبحث في تنفيذ القرار 1559 ومع اقتراب زيارة الرئيس الأميركي جورج بوش إلى منطقة الشرق الأدنى في الأسبوع المقبل. وتُجمع التحليلات والتوقعات، وخصوصاً بعد إصرار حزب الله على تراجع الحكومة وإصرار هذه على قرارها، على أن لا شيء يُرتجى بعدُ من الطبقة السياسية اللبنانية وأن لا بد من مبادرة خارجية تعيد إقامة جسر للتفاهم بين المعسكرين المتنازعين، هذا إذا لم يكن للخارج أجندته التي تستوجب حالاً مشابهة للحال القائمة.
وفي انتظار تبلور حيثيات الخطوة الثانية للحكومة وأجندة الخارج، الحبل متروك على غاربه وليس من يحاول، مجرد المحاولة، وقف ما يجري سوى الجيش اللبناني. كما أنه ليس داخل الجمهورية اللبنانية من يسهّل على الأقل للجيش مهمته بل على العكس ثمة من يسعى إلى تحميله مسؤولية عدم حسم حال العصيان وهذا ما حمل قائد الجيش العماد ميشال سليمان، وفق المصادر المطلعة، على إصدار بيان مديرية التوجيه الذي حذّر «من أن غياب الشعور بالمسؤولية الوطنية العليا، والخروج عن إطار التبصّر في نتائج الأمور، يحدّان من قدرة الجيش على القيام بدوره الوطني الجامع». فقائد الجيش يعرف أكثر من غيره المؤسسة التي يقودها منذ أكثر من تسع سنوات وتاريخها، وخصوصاً إبان الأزمات الكبرى مثل ثورة 1958 واندلاع الحرب الداخلية سنة 1975.
ولا بد أنه مدرك أنه ليس من وصفة واحدة لتعاطي الجيش مع الأزمات الداخلية الناشئة. فعدم إنزال الجيش سنة 1958 حماه من الانقسام، لكنه عام 1975 أدى إلى انقسامه، لذلك يبدو أن العماد سليمان استنبط حلاً وسطاً، يقع بين عدم التفرج على ما يجري وعدم الانغماس في ما من شأنه أن يعرّض وحدة الجيش للخطر.
انطلاقاً من هذا الواقع، تتقاطع معلومات المصادر المطّلعة مع المراقِبة لما يجري ميدانياً، على أن قيادة الجيش تنتهج الاستراتيجية الآتية:
- محاولة الفصل بين المتقاتلين بكل تجرد ونزاهة لأن الوحدات مكوّنة من جنود كل الطوائف وليس من الوارد السماح بتغلغل الشك إلى أي طرف منهم.
- محاولة الفصل تشعر الجندي بأنه يقوم بعمل مهم لشعبه ووطنه وطائفته بخلاف ما سيكون عليه وضعه إذا كان في ثكنته مجرد متفرج على ما يجري بالقرب من منزله ومع أقاربه.
- الحفاظ على سلامة الجنود الشخصية، وعدم تعريضهم لإطلاق نار المتنازعين، ولا سيما أنهم غير مخوّلين قمع من يطلقون النار.
- الحفاظ على سلامة المؤسسة العسكرية ووحدتها، كآخر مؤسسة رسمية موحّدة تحظى باعتراف الجميع وثقتهم، وهي المكوّنة من مختلف شرائح الشعب اللبناني.
- الانكفاء إلى حماية المناطق السكنية التي لا تنتشر فيها قوى مسلحة.
ما استنبطه العماد سليمان على مستوى الأحداث الجارية ميدانياً يحظى بقبول الأطراف السياسية المتنازعة لعلمها أنه ليس بإمكان المؤسسة العسكرية أن تقوم بأكثر مما تقوم به ولكن ما كلّفه به مساء أمس الرئيس فؤاد السنيورة من تنفيذ لقرارات مجلس الوزراء المتخذة فجر الثلثاء الماضي من شأنه أن يعقّد الأمور أو يمتص النقمة والاحتقان. وهذا يتعلّق في شكل خاص بحقيقة ما دفع الأكثرية إلى اتخاذ هذا القرار فإذا كان لإعادة الوضع إلى الستاتيكو القائم قبل التفجير فسيضع العماد سليمان القرارات بالدرج ويقفل عليها، أما إذا كان المطلوب غير ذلك، فكل الاحتمالات واردة.