منذ أكثر من سنة، يعدّ تيار المستقبل الجناح العسكري. البعض نشر تقارير مفصلّة عن مراكز استحدثت في بيروت. أمّا مهمة الجناح، فقيل إنّها حصراً الدفاع عن بيروت إذا قرّر حزب الله غزوها
غسان سعود

لكن ماذا حصل أول من أمس، ولماذا خرجت بعض الفعاليات البيروتيّة، الدينيّة منها خصوصاً، تستنجد بالعالم العربي والمجتمع الدولي؟ سؤال يرسم على وجوه رئيس تيار العربي شاكر البرجاوي، واثنين من أبرز قادة تيار المستقبل العسكريين المرابطين في محيط قصر قريطم وجوماً يشبه ذاك الذي يظلّل وجوه معظم أهالي بيروت.
فبعد يوم على المعارك السريعة التي رسمت خطوط تمّاس وقطعت أوصال العاصمة، يبدو جهاز أركان تيار المستقبل كأنّه لا يزال تحت تأثير الصدمة. هنا في محيط قصر قريطم، من جهة منطقة كراكاس، يجتمع أبرز مسؤولي المستقبل العسكريين، ومعظمهم «مرابطون» سابقون وحاليون. يتبادل هؤلاء المعلومات التي تصلهم عن تفريغ حزب الله شحنة سلاح هنا ونشره بضعة مقاتلين هناك. ويُشغلون بالاتصالات التي يجرونها لتأمين المساكن للشباب والطعام، مستفسرين عمّن وصل، ومن غادر.
ويجيب أحد هؤلاء أن حزب الله نجح بإلهاء قوى 14 آذار والقوى الأمنيّة بمسرحية التظاهرة العماليّة السلميّة وبتحديد موعد لكلمة أمينه العام حسن نصر الله كان يفترض أن تكون نقطة الصفر لأي تحرك منتظر. وقد أربكت المفاجأة جناح المستقبل العسكري الذي كان يمكن أن يصمد أكثر لو أنه وضع خططاً لكل الاحتمالات.
وإذ يؤكد القيادي، ذو الهيبة الكبيرة وسط مقاتلي المستقبل، أن معظم «الأحياء السنيّة» محاصرة اليوم وثمة صعوبة في التواصل الميداني بين من هم داخل المناطق المحاصرة ومن هم خارجها، يبدو جازماً بأن الرهان الأساسي هو على الجيش والقوى الأمنيّة اللذين يصادران بحسبه «كل قطع السلاح التي يجدونها في سيارات المستقبل ولا يتعرضون في المقابل لمسلحي المعارضة المنتشرين بشكل علني». الأمر الذي يزيد عزلة المناطق المحاصرة، ويخيف بعض الشبان الذين يهابون التصادم مع القوى الأمنيّة. مشيراً إلى إخلائهم مراكز متقدمة نتيجة تمنيّات القوى الأمنيّة. مسلّماً أمره وأمر 14 آذار للجيش و«للقدر».
وإذ يستعرض مسؤول ميداني آخر من المستقبل عديد المقاتلين (يتحدث عن 4 آلاف في كل لبنان) ونوعيّة السلاح (سلاح خفيف في معظمه مخصص لحروب الشوارع)، وقدرتهم على حماية مناطقهم، والصمود مانعين أيّ خروق، يوضح أنهم لن يبادروا إلى إطلاق الرصاص ولن يردّوا على الاستفزازات الصغيرة، ولن يكشفوا مفاجأتهم حتى يشعروا بجديّة المواجهة. مبرّراً ذلك بتمسك 14 آذار بالدولة، وعدم رغبتها في توفير مبرر للمعارضين كي يقوموا بمزيد من الارتكابات.
بدوره، يستعيد البرجاوي أداء دوره العسكري ـــــ الميداني الذي يقلّ من ينافسه عليه اليوم في منطقة طريق الجديدة وجوارها. ووسط انهماكه بالاتصالات لتخلية سبيل هذا وتأمين أمور ذاك، وتوجيه الملاحظات لشباب التيّار العربي، يجد البرجاوي وقتاً لـ«الأخبار»، يخصص معظمه ليطلب من حزب الله مراجعة حساباته، وإعادة قراءة منطقة الطريق الجديدة خصوصاً، والمناطق البيروتيّة السنيّة عموماً. متوقفاً عند دور هذه المناطق في مقاومة الإسرائيليين قبل الاجتياح الإسرائيلي وخلاله وبعده. ومذكّراً بناصريّة الأهالي واحتضانهم أهل المقاومة خلال حرب تموز.
ويؤكد البرجاوي أن «حفلة الجنون» قطَّعت التواصل بين من كانوا مثله يحتفظون بصلة مع حزب الله والمعارضة عموماً. ويقول، ميدانيّاً، إن المعركة لم تحصل بعد، وحوادث اليومين الماضيين كانت مجرد «إشكالات» تهدف إلى جسِّ النبض، موضحاً أن لا قيمة عسكريّة لمكاتب المستقبل التي سقطت، مشدداً على أن شباب حزب الله هم الذين يقاتلون «لكنهم يرتدون أقنعة حركة أمل». وبهدوء يشرح البرجاوي، بحكم خبرته، أن لا أحد يتوهّم القدرة على مواجهة حزب الله. وبابتسامته المعتادة، يجزم بأن المستقبل لم يُنشأ لمعارك كهذه، وهو تيار له جمهوه العريض لكنّه ليس تياراً عسكرياً، مشدداً على أن القتال لا يتعلق بالسلاح، إذ يمكن كل فريق لبناني أن يشتري الكميّة التي يريدها من السلاح. لكن الأمر يتعلق بالمقاتلين. وهنا يعاني المستقبل وغيره في قوى الأكثريّة نقصاً قاتلاً.
أمام هذا الواقع، تصح العودة إلى محيط قريطم. يقول أحد كبار مدربي الجناح الميليشياوي في المستقبل، وهو من عكار، أن ما حصل كان خطة متطورة من حزب الله بينت أولاً حجم اختراق الحزب لأخصامه. وقد استندت إلى نزول أبناء الأحياء الشيعيّة إلى شوارع منطقتهم، وقطعها، وفق خريطة تظهر أن الشيعة، الذين كان البعض يتخوف من تمددهم في أكثر من منطقة، باتوا يحاصرون عمق مدينة بيروت. وهو ما لم يؤخذ جديّاً في الاعتبار سابقاً. وقد وجد قادة التيار الميدانيون أنفسهم أمام واقع يحتم عليهم المبادرة بإطلاق النار لفتح الطرقات، مما يعني تحوّلهم من معتدى عليهم إلى معتدين.
يضاف إلى هذا كلّه تسريبات جديدة مفادها أن شباناً كثراً أغلقوا هواتفهم في اللحظة الحرجة وتحاشوا النزول إلى الشارع، لشعورهم بعبثيّة ما يحصل. أما الأكيد، فهو أن الجناح العسكري للمستقبل فوجئ جدياً بسبعة فانات فقط تأتيه من الشمال بينما كان ينتظر سبعين على الأقل، كما يقول أحد الميدانيين.