الياس خليل إن إطلالتكم على شاشة المؤسّسة اللبنانية للإرسال مع الإعلامية مي شدياق، قد استحوذت على تقدير معظم اللبنانيين، لما ظهر خلال هذه المقابلة من حكمة وموضوعية في تحليل الأمور، إن كان على صعيد الطائفة أو الوطن.
غير أنه، يا صاحب الغبطة، كان ابن بريح المهجّر يأمل، أثناء حديثكم، أن تأتوا على ذكر مأساته، وقد مضى ثلاثون عاماً على اقتلاعه من جذوره، ولا يزال صمت أهل الكهف يخيّم على ضمائر المسؤولين.
إننا نعلم بأن اهتمامكم بالوطن يثنيكم عن التطلّع إلى شعب مهجر مسكين، إذ «لا يؤخذ خبز البنين ويعطى... للمهجرين»، غير أن هؤلاء المهجرين كانوا وجدوا بلسماً وتعزية بفتات متساقط عن طاولة تحاوركم مع الإعلامية شدياق، وخاصة أن المطلوب كلام «بكل جرأة».
إنكم الراعي الصالح يا صاحب الغبطة، والراعي الصالح «يعرف خاصته وخاصته تعرفه». كم كنا نتمنى أن تتشبّهوا بتلك الأم التي سُئلت: أي من أولادك أحبّ إليك؟ فأجابت: الغائب حتى يعود، والمريض حتى يشفى، والصغير حتى يكبر.
إن كل هذه الصفات تنطبق على المهجرين منا يا صاحب الغبطة. فنحن غائبون عن أرضنا وأملاكنا التي يستبيحها المقيمون في البلدة وعلى مرأى المسؤولين ومسمعهم. إن شيوخنا يصارعون المرض كي لا يفاجئهم الموت قبل رؤية جنى عمرهم واسترجاعه. إننا نشعر بأن كل أبناء الوطن أكبر منا، لأننا صغار مهمشون، لا حقوق لنا في هذا الوطن، وقد صُمّت آذان المسؤولين عن صراخنا.
نحن ضحية إهمال وتسلّط، فهل الوقوف على مسافة واحدة من الظالم والمظلوم فضيلة؟ لقد حاولتم، يا صاحب الغبطة، اجتراح الحلول لمشكلة لبنان انطلاقاً من مبدأ تحقيق الأولويات. ليتكم اعتمدتم المبدأ عينه قبل زيارتكم «التاريخية» إلى الجبل، وقد عُدّت بمثابة تكريس للأمر الواقع وبراءة ذمة لمن هجّرنا من ديارنا. ليتكم قلتم آنذاك: لن تتم الزيارة قبل تحقيق الأولويات، أي قبل عودة الحقوق إلى أصحابها، والأجراس إلى كنائسها، والأموال إلى مهجريها.
سامحكم الله يا صاحب الغبطة، فإننا رغم ذلك، لا نزال نعلّق الآمال الكبيرة على صرح أعطي له مجد لبنان. وكلنا ثقة بأن رياح التغيير ستعيد إلى هذا الصرح وهجه ودوره وسيادته وغبطته، فتعمّ الغبطة عند جميع أبناء الوطن ويعود إلى لبنان مجده الذي سُلب منه.