في السابعة من صباح أمس، كان 15 موظفاً من تلفزيون المستقبل يعملون بوتيرة عالية داخل هنغار كبير، وكان بعضهم حلّ مكان زملاء منعهم قطع الطرق من الوصول إلى مركز العمل منذ يومين. فجأة ينتبه موظفو المحطة إلى أن أحداً لا يحرس الباب الخارجي؛ لقد فرّ عناصر الحراسة التابعين لإحدى الشركات الخاصة. نوبة الذعر تنتاب الزملاء الصحافيين والتقنيين، يخرج أحدهم من الخلف محاولاً الهرب والقفز من على السياج الشائك للذهاب إلى منزله. يصرخ به أحد عناصر فوج المغاوير المكلفة حماية إحدى المؤسسات الإنسانية المجاورة التابعة للرئيس الشهيد رفيق الحريري، معتقداً إياه من المقاتلين المتسللين. «أنا أعمل في تلفزيون المستقبل هنا».كُلّفت بعض العناصر بإحاطة التلفزيون وحماية من فيه بعد تبلغهم أنهم موجودون بالصدفة أمام السلاح الوحيد الباقي للسلطة، وخصوصاً لدى علمهم بأن مقاتلي المعارضة قادمون إليه.
وصلوا. دخل الضابط المسؤول سائلاً التحدث إلى المسؤول الحالي عن القناة: «يطلبون منكم أن توقفوا البث فوراً». كان لا بد من المراوغة «مستحيل، لن تقفل هذه المحطة». هدّأ النقيب من روعه ودعاه إلى التعاطي بواقعية مع الأمر، لأنه إن لم يوقف بث المحطة ويُخرج العاملين بهدوء، فإن من في الخارج ما زالت حماستهم متقدّة وقابليتهم على إحداث الخراب عالية. نظرات الإرباك والخوف ونوبات ذعر الموظفين أخذت القرار «أخرجنا من هنا بسلام، لأنه ليس هناك من يسأل عنا في الأساس! من أجل من تريد منا البقاء؟».
تمت عملية الإخلاء بهدوء. توجه بعض العناصر إلى أوتيل الفينيسيا ووقفوا في البهو بانتظار موظفي التلفزيون المقيمين هناك، وأعلموهم بأن التلفزيون قد توقف عن العمل «لازموا غرفكم أو اذهبوا إلى منازلكم بسلام».
ذهبوا إلى منازلهم. بعضهم أراد تمزيق بطاقته مشبهاً نفسه بمقاتلي حزب البعث بعد انهيار العراق، يفرّون من مكان إلى آخر محاولين إخفاء أي أثر يدلّ على صفتهم السابقة. لقد ألغى قيمة بطاقتهم الصحافية مقاتلون هاجموهم وهم يجلسون وراء مكاتبهم. لم تعد الحرب متكافئة. البعض الآخر تحسّر متسائلاً «كيف يعقل أن لا يتوقف بث تلفزيون المنار ولا دقيقة خلال 33 يوماً في الحرب الإسرائيلية، ونحن تداعينا في أقل من 48 ساعة».
وكان مبنى جريدة المستقبل في البوريفاج قد توقف عن العمل بعد اشتعال أحد الطوابق فيه وتكليف الجيش بحفظ أمنه، وأُسكت الصوت الإعلامي لتيار المستقبل بعد أن توقف أيضاً أثير إذاعة الشرق ولم يعد «الحكي أحلى من الشوفة»!
وقرابة الثالثة من بعد الظهر، وصل خبر إحراق المبنى القديم للتلفزيون. نصل إلى مبنى التلفزيون في وقت كان فيه رئيس مجلس إدارته نديم المنلا يدلي بحديث إلى صوت لبنان لسرد آخر ما نُمي إليه من معلومات عن هوية المعتدين.
هؤلاء كانوا لا يزالون واقفين أمام المبنى يشاهدون تصاعد الدخان منه. يستفسرون عن المؤسسات التي ينتمي إليها الصحافيون قبل أن يدلوا بما أمكن من معلومات. «لا يمكنني أن أقول لكم لماذا أحرقناه»، يقول أحدهم فيما يهمس آخر: «أخرجنا 40 قطعة سلاح من هنا». يقول المسلّحون الذين زرعوا أعلام الحزب القومي السوري الاجتماعي وشعاراته على المبنى، يضيفون: «إن مقرّ الحزب القومي الملاصق لمبنى التلفزيون تعرّض لاعتداء من مسلّحين كانوا يتمركزون في مبنى المستقبل». ويؤكد المسلّحون، الذين لا يتردّد بعضهم في اتخاذ وضعيات قتالية أمام الكاميرا، أن الجيش اللبناني أخرج مسلّحين من التلفزيون الذي تتناثر عند مدخله الكثير من أفلام الأرشيف.