تغير مشهد البقاع. ما بعد السابع من أيار يختلف عما سبقه، فالجغرافية السياسية في المنطقة بدأت تأخذ أشكالاً جديدة قد تعيد رسم التحالفات بعد الوقائع الميدانية في البقاعين الأوسط والغربي
البقاع ـ عفيف دياب

سقط البقاع الأوسط ذو الامتداد الشعبي الموالي بضربة «المعارضة» القاضية. فالمشهد الأمني الذي خيم على المنطقة طوال الأيام الثلاثة الماضية بدأ ينسحب تحت ضغط الاتصالات السياسية لمصلحة تثبيت «السلم الأهلي المحلي» بعدما أيقن تيار المستقبل، على الأقل بقاعاً، أن جميع حلفائه قد تخلوا عنه في معركة عسكرية لم يكن يتوقعها. وتقول معلومات «الأخبار» إن قيادة تيار المستقبل في البقاع أجرت اتصالات مكثفة مع قوى في الرابع عشر من آذار في زحلة والبقاع لتوفير الدعم العسكري واللوجستي، إلا أن الجواب كان «لا نستطيع ولا نريد أن نشارك في معركة عسكرية لا علاقة لنا بها، كما لا يمكننا قطع الطرق معكم».
هذا الكلام الذي أبلغه قيادي كبير في «مستقبل» البقاع لـ«الأخبار» خلال اتصال هاتفي معه اختصر أسباب إسراع قيادات التيار ونوابه في البقاع ورجال دين ورؤساء بلديات محسوبين عليه إلى عقد اتفاق سياسي ـــــ أمني مع حزب الله وحركة أمل ومن خلفهما قوى حزبية معارضة أخرى بواسطة الجيش اللبناني الذي نجح في تحقيق خرق سياسي لدى الطرفين أعاد الهدوء الأمني إلى البقاع الأوسط ترجم بداية بفتح طريق شتورة ـــــ جلالا ـــــ تعلبايا ـــــ سعدنايل في خطوة حسن نية من المستقبل وحزب الله وحركة أمل استكملت بفتح طريق شتورة ـــــ تعنايل ـــــ بر الياس مع سحب كل المظاهر المسلحة ورفع السواتر الترابية بين سعدنايل وتعلبايا مع تسليم المستقبل مكتباً له في الأخيرة للجيش اللبناني وآخر في جب جنين.
الاتصالات السياسية التي تكثفت بعد اشتباك بالرصاص ليل أول من أمس في جلالا وتعلبايا أفضت إلى وضع «حزب الله» وأمل لائحة شروط التزم بها تيار المستقبل لاحقاً ومنها: انسحاب تيار المستقبل من جميع مراكزه ومكاتبه في البقاع الأوسط وتسليم مقر القيادة في بنك البحر المتوسط في شتورة للجيش اللبناني وإقفال مكاتب الشركات الأمنية التابعة للتيار وتسليمها للجيش بعد إعادة جميع العناصر إلى منازلهم، وإزالة كل الشعارات والصور من بلدة تعلبايا، وتسليم مجموعة من المطلوبين سببوا الاشتباكات إلى الجيش اللبناني مع أسلحتهم، وفتح كل الطرق، ولا سيما طريق المصنع ـــــ الحدود السورية.
وفي موازاة هذه الاتصالات ولائحة الشروط التي نفذت بنسبة كبيرة وجنبت المنطقة «الحسم العسكري» عقد اجتماع موسع في أزهر البقاع في مجدل عنجر برئاسة المفتي خليل الميس وحضور رؤساء بلديات المنطقة ومن البقاع الغربي والمحسوبين على تيار المستقبل وشخصيات وفعاليات أنتج قرارات نفذت بالتنسيق مع الجيش اللبناني، كان أبرزها فتح جميع الطرق في البقاعين الأوسط والغربي، وإزالة كل مظاهر التوتر الأمني، حيث عمل رؤساء البلديات ميدانياً على فتح الطرقات في بلداتهم، وسحب «الشباب». ولكن هذا الأمر لم يطل، إذ سرعان ما عاد «الشباب» إلى بعض الطرق، وعمدوا إلى قطعها بالإطارات المشتعلة في بر الياس والمرج ودير زنون، حيث سجلت مشاهد لمسلحين ببنادق رشاشة ومسدسات، فيما لم تنجح الاتصالات في فتح طريق المصنع وإزالة السواتر الترابية والخيمة التي نصبها محتجون رفضوا تنفيذ قرار «الأزهر» والتمنيات الأمنية والسياسية الأخرى. وقال معتصمون إن إقفال الطريق سيبقى حتى إشعار آخر و«لن نتراجع أو نرد على أحد».
ميدانياً أيضاً، انفجر «الاحتقان» بعد ظهر أمس في البقاع الغربي، وعمد مناصرون لتيار المستقبل إلى قطع طرق مؤدية إلى عدة مؤسسات تربوية واجتماعية تابعة لمؤسسات «الغد الأفضل» التي يديرها النائب السابق عبد الرحيم مراد في الصويري والخيارة، حيث جرى تبادل لإطلاق النار أدى إلى سقوط 3 جرحى هم: مشهور جانبين وبسام جميل ياسين وعمر أحمد جانبين، إضافة إلى احتراق سيارة وإلحاق أضرار في مؤسسة دار الحنان للأيتام. هذا التوتر سرعان ما عاد إلى بلدة بر الياس في البقاع الأوسط بعد الظهر، حيث انفجر أيضاً الاحتقان الذي خمد ليومين وجرى تبادل لإطلاق الرصاص بين موالين ومعارضين تخلله إلقاء قنابل يدوية واعتداءات على مؤسسات تجارية، وأدى هذا الاشتباك الذي جاء بعد هدنة طويلة نسبياً إلى مصرع السيدة آمنة نبعة وإصابة 4 آخرين من بينهم رقيب أول في قوى الأمن الداخلي، أُصيب جراء انفجار قنبلة يدوية.
هذا التوتر الجديد في بر الياس سرعان ما عاد إلى هدوئه بعد اتصالات سياسية أجراها النائب عاصم عراجي مع قيادات في الموالاة والمعارضة والجيش اللبناني الذي سير دوريات مؤللة وأقام حواجز ثابتة ومتنقلة عمت كل مناطق البقاع الأوسط لاحقاً، في وقت نجحت فيه وحدات من الجيش في إعادة فتح كل طرق البقاع الشرقي والطرق الأخرى المؤدية إلى زحلة وجوارها، حيث شهدت حركة سير مكثفة، إضافة إلى عودة حركة السير على طريق ضهر البيدر الدولية بعد انقطاع دام أكثر من 36 ساعة، فيما شلت الحركة التجارية تماماً، وأقفلت الأسواق التجارية في البقاع الأوسط الذي شهد حركة نزوح كبيرة للعمال السوريين الذين تعرضوا لاعتداءات بالجملة والمفرق في مختلف مناطق البقاع الأوسط والغربي وراشيا التي لم تشهد توترات تذكر منذ بدء الأحداث والاشتباكات المسلحة، حيث كان يوم أمس طبيعياً وعادياً جداً.

(شارك في التغطية: أسامة القادري، فيصل طعمة، نقولا أبو رجيلي)