جان عزيزقبل أن تبدأ أي حرب، وخصوصاً في غضون اندلاعها، وبالأخص بعد انتهائها، يبرز بإلحاح وضرورة السؤال: ماذا في اليوم التالي؟
أما وقد اتفق الجميع على أن ما يحصل في بيروت حرب، فالسؤال نفسه بات في كل ذهن وفكر.
والسيناريوهات جاهزة للإجابة. بعضها ينظر إلى الإشكالية من زاوية اللحظة والوقائع الميدانية وحيثيات موازين القوى. والبعض الآخر يقاربها من منظار العوامل البنيوية التي تكوّن الاجتماع السياسي في لبنان، وكيان الدولة والنظام.
ماذا في اليوم التالي على المستوى الآنيّ والميداني؟ تتحدث المعلومات عن صيغ أربع مطروحة كمقترحات عامة لإطار الحل أو التسوية الممكنين.
صيغة أولى، قد تكون الحد الأدنى، أن تبادر قيادة الجيش، بعد موافقة الطرفين، إلى وضع يدها على قضية شبكة الهاتف الخاصة بحزب الله. ثم تعلن بياناً فحواه أن الجيش وجد أن الشبكة شرعية الوجود، لكونها جزءاً لا يتجزأ من سلاح المقاومة المشمول بالبيان الوزاري. تماماً كما سبق لقيادة الجيش أن فعلت حيال شاحنة ذخيرة قبل نحو عامين.
وقيل إن مسوّدات عدة للبيان المقترح قد وضعت وتبودلت... ثم تجمّدت. أما قضية العميد وفيق شقير، فتظل عالقة بين إشكالية لادستورية السلطة التي أقالته، وبين عدم تبلّغه بأي جديد من جانب السلطة الدستورية الوحيدة التي يعترف بها ويتبع لها، أي الجيش نفسه. فتنتهي عاصفة أيار إلى فنجان قهوة بين لجان التنسيق الأمني.
صيغة ثانية مطروحة، وتقضي بأن يهرب فريق السرايا خطوة أخرى إلى الأمام. فيقدم فؤاد السنيورة استقالته. عندها يظل الأمر في يد الموالاة من زاوية تصريف الأعمال، ويحشر الجميع في ضرورة الذهاب فوراً إلى انتخاب رئيس. ذلك أن استقالة الحكومة تحول دون القيام بأي خطوة أخرى دستورية، وخصوصاً في ظل الفراغ الرئاسي الحاصل. فيصير الجميع مرغمين أمام العودة إلى النقطة الثالثة من طرح سعد الدين الحريري، أي انتخاب الرئيس.
أما الصيغة الثالثة المحكي عنها علناً، فهي التوصل إلى اتفاق على تأليف حكومة انتقالية برئاسة العماد ميشال سليمان. ومع هذه الخطوة تتحقق عملياً وحكماً المسألتان اللتان اشترطهما السيد حسن نصر الله. فالتغيير الحكومي يعني فعلياً الرجوع عن مقررات 6 أيار. وتشكيلة الحكومة الانتقالية تقدم طاولة الحوار المطلوب لإقرار قانون الانتخاب وما يليه من خطوات.
وتبقى الصيغة الرابعة، وتقضي بوقف كل التطورات والمواقف، والعودة بالزمن إلى ما بين 6 كانون الثاني الماضي و27 منه، أي زمن بياني القاهرة والمبادرة العربية. ما يعني محاولة العودة إلى الحل المتكامل والسلّة الواحدة والرزمة المتلازمة، من قانون الانتخاب إلى صيغة حكومة الوحدة، وصولاً إلى انتخاب رئيس الجمهورية. وقيل إن هذه الصيغة هي ما تحاول تزكيته الاتصالات العربية.
لكن، يبقى السؤال الأهمّ، ماذا في اليوم التالي لهذه الحرب، على المستوى البنيوي المؤسس لاجتماعنا السياسي وتركيبة البلد والنظام؟
حسن نصر الله، منذ اللحظة الأولى، حاول إزاحة شبح الفتنة. وبيان معراب تحدث عمداً عن عدم الإدراك للجرح الوطني الذي افتُعل. وبين الموقفين، ثمّة من يطرح ثلاثة احتمالات للمستقبل المتوسط والبعيد.
الاحتمال الأول، أن يعمد فريق الحريرية عفواً أو قصداً، إلى تطبيق ما كان قد كتبه بعض أقلامه قبل فترة. ومفاده إما أن يحكم الحريري هذا لبنان، وإما أن يسقط في يد زرقاوي أو ظواهري ما. بمعنى أن ينتج «الجرح» المعرابي أصولية سنّية إرهابية من قمقم المطبخ الحريري الشغّال منذ أعوام. وهو احتمال قد يمثّل موضع خطة عمل بديلة لقوى داخلية، وخصوصاً خارجية. وقد يكون من العوارض الجانبية و«الردفعلية» لمعركة بيروت. وفي كلتا الحالين يظل احتمالاً خطراً أمام كل اللبنانيين، وخصوصاً طبّاخيه.
الاحتمال الثاني أن تكون أحداث اليومين الماضيين تكراراً لثورة 58. بلا أسطول سادس، وبلا ثورة مضادة ربما. لكن مع فؤاد شهاب ثانٍ، يجمع «رباعية» الثورة الثانية بعد نصف قرن على الأولى، ويتلمّس تدريجاً صيغة لا غالب ولا مغلوب.
ويبقى الاحتمال الثالث، الذي لمّح إليه بيان معراب، أن يكون «اجتياح بيروت» الثاني تكراراً سياسياً لاجتياح 1982. فيأتي بشير الجميل رئيساً بإجماع كامن وبعض الرفض المعلن لحفظ ماء الوجه، مع وعد استعادة السيادة والتوازن والإصلاح.
أصعب ما في المقارنات المتماثلة، ظلم الأطراف المعنيين بالتطابق. لكن أهم ما فيها... وصول الفكرة.