استيقظ أهالي بيروت صباح أمس ليجدوا شوارع القسم الأكبر من غربي مدينتهم تحت سيطرة مسلّحي المعارضة، مع حصار الأجزاء الباقية منها. ومع ساعات الصباح الأولى، عزّز مقاتلو المعارضة وجودهم في المناطق التي سيطروا عليها في الليلة السابقة، ولاحقوا من بقي من مقاتلي الموالاة في شوارع عائشة بكار والظريف والصنائع والزيدانية، وعملوا على توقيفهم وتسليمهم إلى مخابرات الجيش. وقبيل العاشرة صباحاً، كانت المنطقة الممتدة من بشارة الخوري والبربير شرقاً إلى عين التينة وعائشة بكار والظريف غرباً تحت السيطرة التامة لمقاتلي المعارضة.وقد خرج سكان المناطق المذكورة لتفقّد سياراتهم ومؤسساتهم التجارية ومحالّهم، ومحاولة نفض الغبار وحصر الأضرار الجسيمة التي تعرّضت لها ممتلكاتهم جرّاء المعارك التي حصلت خلال الليل السابق. وكانت ردود فعل المواطنين متفاوتة بين مؤيد لـ«الحسم» الذي قامت به المعارضة، ومستَفَز وغاضب من «سيطرة الآخرين على مناطقنا» وغير راضٍ على ما جرى مع أمل أن «يؤدي الحسم العسكري إلى تغيير الجمود السياسي».
وقد استمرت طوال فترة قبل الظهر عمليات «قضم» الشوارع المحيطة بالسرايا الحكومية ومنزل النائب وليد جنبلاط في كليمنصو، ومنزل النائب سعد الحريري في قريطم. وعند الظهر، كانت مناطق الحمرا ورأس بيروت والروشة قد عادت بالكامل إلى سيطرة الحزب السوري القومي الاجتماعي بعد غياب دام سنوات طويلة. فبعد اتصالات سياسية ــــــ أمنية بين طرفي الصراع السياسي، سلّم أفراد تيار المستقبل مراكزهم في منطقة الحمرا إلى الجيش اللبناني ومقاتلي المعارضة، وحصل اتفاق على دخول تعزيزات من الجيش إلى المحيط الضيق لمنزل النائب سعد الحريري وإخراج المسلحين المدنيين منه، وهو الأمر الذي تم بحلول الثانية بعد الظهر.
في هذا الوقت كان قرار المعارضة لا يزال قائماً بتحييد منطقة الطريق الجديدة، فأفضى الاتفاق الأمني ــــــ السياسي، الذي أدّى دور الوسيط فيه ضباط من الجيش وقوى الأمن الداخلي، أفضى إلى دخول قوة من الجيش أخرجت مسلحي المستقبل من مراكزهم وأطلق أبناء بيروت منهم في وقت قصير، فيما أرسل أبناء المناطق الأخرى إلى أماكن يمكنهم الانطلاق منها باتجاه بلداتهم. وقد أقفل الجيش مراكز المستقبل في كل شوارع الطريق الجديدة ووضعها تحت حمايته.
ومنذ الصباح، شدّد الخناق العسكري على منطقة برج المر، وخرج عناصر تيار «المستقبل» من محيط مبنى محطة «أخبار المستقبل»، قبل أن يتوقف بث محطتي المستقبل الأرضية والفضائية، الأمر الذي أعادته إدارة المؤسسة إلى تهديد تلقّته من مقاتلي المعارضة عبر قيادة الجيش اللبناني، وهو الأمر الذي لم تنفِه قوى المعارضة، باستثناء بيان صادر عن النائب حسن فضل الله قال فيه إن بعض وسائل الإعلام توقف البث فيها بسبب أعطال ناتجة من الاشتباكات.
أما مبنى تلفزيون المستقبل في الروشة، فقد دخل إليه مقاتلون من الحزب السوري القومي الاجتماعي ورفعوا أعلامهم فوقه، قبل أن يحترق المبنى بعد الظهر ليصدر القومي بياناً نافياًً فيه أن يكون مقاتلوه قد أحرقوه. أما إذاعة الشرق، فقد أحرِق أحد مكاتبها في منطقة كركول الدروز، وأعلنت إدارتها وقف البث فيها، فضلاً عن إحراق إحدى طبقات مبنى جريدة المستقبل في الرملة البيضاء، مما أدى إلى عدم صدورها وتوقف العمل فيها.
من ناحية أخرى، شهدت مناطق عرمون ودوحة عرمون وبشامون والشويفات وخلدة معارك أدت إلى حسم الأمور لمصلحة قوى المعارضة.
وحتّى ساعات متأخّرة من ليل أمس، كانت مختلف قرى منطقتي عاليه والشوف تشهد حالة غليان شعبي ناتجة من شائعات أطلقت عن دخول عناصر لحزب الله إلى هذه القرى.
وعلم أن النائب وليد جنبلاط خلال اتصاله بالوزير السابق طلال أرسلان للتعزية بشابين سقطا في اشتباكات دوحة عرمون، أبدى استعداده لتسليم جميع مراكزه الحزبية إلى الجيش اللبناني في مختلف القرى، وقد أقفل مكتب «الاشتراكي» في كفرحيم وأُخليت مواقعه على الخط العام بين الدامور والشوف. كما فُتِحت طريق بيروت ـــــ دمشق الدولة بعد إقفالها من جانب الاشتراكي عند بلدة ضهور العبادية. وقد لوحظ ارتفاع الظهور المسلح لأنصار جنبلاط، وخاصة بعد تلاوة بيان قوى 14 آذار في معراب. كما حصل اشتباك مسلح في منطقة تلة 888 الشهيرة في عاليه بين مجموعة مسلحة تابعة لحزب الله وعناصر من الاشتراكي وسرعان ما تسلّم الجيش هذه التلة. وتشهد منطقتا الجرد والغرب في قضاء عاليه حالة توتر شديد، وخصوصاً في القرى التي لأحزاب المعارضة فيها حضور قويّ.
وحتى العاشرة من مساء أمس، سجّلت غرفة عمليات المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي مقتل 18 مقاتلاً ومدنياً منذ صباح 8 أيار 2008، بينهم 4 مجهولين، وهم: محمود طه، آمال بيضون، هيثم طبارة، محمد حمصي، نبيل أبو العينين، عبدو سكاف، سلوى غندور، زياد غلاييني، مصطفى عيتاني، علي محمدية، كرم ناصر، آمنة ناصيف، علاء شعبان، عفيف نصر. هذا فضلاً عن وقوع نحو 54 جريحاً.