ثائر غندورعند الساعة الثامنة والنصف من صباح يوم أمس، لم يكن قرار الهجوم على قضاء عاليه قد اتخذ بعد، أو على الأقلّ، لم تكن ذريعة الهجوم متوافرة. في تلك اللحظة، كَمَنت مجموعة من الاشتراكيين لشابين من حزب الله وقتلتهما في منطقة نيو ــــ عيتات، فاتُّخذ قرار بدء الهجوم. فحزب الله رفض قبل ذلك دخول المعركة، لأن الحزب الاشتراكي سحب مسلّحيه من الشارع بعدما طلب النائب وليد جنبلاط ذلك.
لكنّ معلومات تيّار التوحيد، الذي يتزعّمه الوزير السابق وئام وهّاب، كانت تُشير إلى غير ذلك: «يقولون إن الاشتراكي سحب المظاهر المسلّحة من الشارع، لكنّه لم يُسلّم أسلحته إلى الجيش اللبناني كما كان من المفترض أن يحصل، ويشيرون إلى أنهم اعتقلوا أحد الاشتراكيين، ويُدعى د. أ. ح.، في بلدة دير دوريت على رأس دوريّة أمنيّة هرب باقي أعضائها، وكان مع المعتقَل «كرابين» وسلّم مع سلاحه إلى القوى الأمنيّة».
ويرى وهّاب أن السبب وراء كلام جنبلاط الهادئ هو وصول الشباب إلى 5 كيلومترات بعيداً عن المختارة.
عندما بدأت المعركة صباح أمس، كان الاشتراكيّون حاضرين لها. فقد قصفوا بلدتي القماطية وكيفون بمدافع الهاون والـ ب 7.
لكن التاريخ يؤكّد، كما يقول أنصار تيّار التوحيد، أن الحزب الاشتراكي لا يُقاتل إلا بغيره، كما حدث حين قاتل بالحركة الوطنيّة في عام 1976، وبالفلسطينيين في عام 1983.
لهذه الأسباب أراد وهّاب أن يخوض المعركة وحده من دون مساندة من حزب الله، فهو الوحيد في أطراف المعارضة في الجبل الذي يملك مناطق جغرافية تحت سيطرته العسكريّة، وخصوصاً في منطقة الشوف.
في معركة قضاء عاليه، كان هناك محوران للمواجهة: الشويفات والعزّونيّة. في الشويفات، خاض مقاتلو المعارضة مواجهات كبيرة مع الاشتراكيين، انتهت بسيطرتهم على المنطقة، وانتشار المسلّحين التابعين للحزب الديموقراطي اللبناني برئاسة الوزير السابق طلال ارسلان على هذه المناطق، فيما أدّت المعارك العسكريّة في منطقة الغرب إلى انهيار سريع واستسلام مقاتلي الاشتراكي.
واستخدم في هذه المعارك السلاح الثقيل من نوع صواريخ 106 والرشاشات المضادّة من نوع 14.5 و23، وهذه هي المرّة الأولى التي تُستخدم فيها هذه الأسلحة منذ بدء المعارك بين المعارضة
والموالاة.
لكن مصادر في المعارضة تُشير إلى عدم قدرة هؤلاء المسلّحين الأرسلانيين على مجاراة سرعة العمليّات العسكريّة التي كانت قائمة.
ويتحدّث المعارضون عن دور هامّ لعبه الحزب السوري القومي الاجتماعي في المعارك، رغم قلّة عدد عناصره وفقدانه الغطاء الشعبي ــــ الطائفي. يُضاف إلى ضعف أرسلان العسكري ضغطه على المعارضة لوقف الأعمال العسكريّة.
أمّا في المحور الثاني، أي منطقة العزّونيّة، فإن العناصر التابعة لتيار التوحيد والحزب السوري القومي الاجتماعي والحزب الديموقراطي اللبناني أقدموا على قطع تقاطع طُرق العزّونيّة ومنها ساروا في اتجاه بلدة شارون وصوفر وبحمدون، دون أن تحصل أي مواجهات بين الطرفين، إذ كان النائب فيصل الصايغ قد عقد اجتماعاً مع المسؤولين العسكريين في الأحزاب الثلاثة اتفق فيه على تسليم مركز الاشتراكي قرب منزله وعدم القتال.
ولكن ما هو الأفق السياسي لهذه المعركة؟ تُبدي أطراف عدّة في المعارضة ثقتها بأن النائب وليد جنبلاط هو العمود الفقري لفريق الموالاة، وبالتالي فإن سحبه منها يؤدّي إلى انفراط عقدها. على هذا الأساس حاول الرئيس نبيه برّي التوسّط بين جنبلاط والسوريين في سبيل عزله عن هذا الفريق، لكنّه فشل. لذلك، باتت المعارضة مقتنعة بضرورة العمليّة العسكريّة لـ«كسر» العمود الفقري.
لكن ثمة معارضين يرون أن ما حصل في عاليه لا يُعدّ ضربة نهائيّة، لكون جنبلاط لا يزال مسيطراً على منطقة الشوف التي يوجد فيها عسكر وهّاب. كما لم تتم السيطرة على مدينة عاليه. من هنا، يشير هؤلاء إلى أن أي خطأ يقوم به جنبلاط، بنظرهم، سيؤدّي إلى ضربه في الشوف. والخطأ بالنسبة إليهم هو عدم تسليم سلاحه للجيش أو إطلاق النار على عناصر المعارضة أو تهديدهم أو حتى القيام بدوريّات أمنيّة.
ويشدّد أحد قادة المعارضة على النقطة الأخيرة، محدّداً الأفق السياسي لهذه المعركة العسكريّة بإنهاء السيطرة العسكريّة لجنبلاط على الجبل. فهذا المعارض، وإن كان على ثقة بأن جنبلاط لا يُقاتل، لكنّه واثق من أن الأخير فرض الهيمنة والإرهاب على الأهالي بسبب غياب الشرعيّة عن منطقته. وعندما وُجدت، جرى التنسيق بينها وبين الاشتراكي. وبرأيه، عندما تنتهي «عملية الإرهاب» هذه، سيتغيّر المشهد السياسي في الجبل.