strong> فتح معبر المصنع الحدودي مع سوريا مقابل فتح طريق مطار بيروت الدولي. معادلة بسيطة تختصر عمق الأزمة التي تتجه فيها البلاد نحو مزيد من التصعيد المذهبي الذي يشعل سهل البقاع رصاصاً وحقداً
البقاع ـ عفيف دياب
لم تجد نداءات النائب سعد الحريري الموجهة إلى أنصاره في لبنان بوجوب ضبط النفس وفتح الطرق وإزالة السواتر الترابية والمظاهر المسلحة، آذاناً صاغية في منطقة البقاع، إذ إن جمهور تيار المستقبل دخل في موجة عنيفة من رد الفعل في محاولة حثيثة لاستيعاب «الصدمة» التي أصابته جراء الحسم العسكري السريع لحزب الله وبعض قوى المعارضة.
فأنصار المستقبل في البقاع، وبعد موجة من الهدوء، سيطرت عليهم اعتباراً من ليل الجمعة ــــ السبت، والتزموا بما توصلت إليه مفاوضات قياداتهم المحلية بواسطة الجيش اللبناني مع قوى في المعارضة، عادوا اعتباراً من صباح السبت إلى الطرق في محاولة لاستعادة ما فقدوه أو خسروه في الميدان وخلال المفاوضات السياسية، فاستعادوا أولاً مركزهم في جب جنين وإحدى مؤسساتهم الطبية في القرعون مع سيطرة تامة على الطرق في البقاعين الأوسط والغربي، باستثناء تعلبايا ـــ سعدنايل حيث بقي الاتفاق مع المعارضة «فاعلاً» والطريق سالكة على الخطين، مع غياب تام لكل المظاهر المسلحة في البلدتين، فيما أعيدت السيطرة على الطريق الدولية في منطقة جديتا التي شهدت مناوشات بالأسلحة الرشاشة مع أنصار للمعارضة تخللها سقوط قذيفة هاون مجهولة المصدر تسببت بشل الحركة تماماً في معظم أرجاء البقاع الأوسط، ولا سيما مدينة شتورة، مما اضطر الجيش اللبناني إلى توسيع رقعة انتشاره و«تحريك» دباباته وتموضعها عند مفترق جديتا ومداخل شتورة.
سيطرة الموالاة على طريق جديتا ـــ ضهر البيدر الدولية وقطعها بالسواتر الترابية تزامنت أيضاً مع سيطرة مماثلة على طريق بر الياس ـــ دير زنون، حيث انتشر مسلحون رفعوا سواتر ترابية وأحرقوا إطارات وقطعوا الطريق حتى ظهر أمس الأحد، حين نجحت الاتصالات السياسية في رفع السواتر الترابية عن طريق ضهر البيدر عند مفترق جديتا بإشراف مباشر من الجيش اللبناني الذي نشر عناصره وآلياته في المنطقة وعلى تلة «تل الزعتر»، ما سمح بعودة حركة السير نحو بيروت التي سرعان ما تراجعت جراء اشتباكات الجبل.
وفي الوقت الذي نجحت فيه الاتصالات بفتح طرق، فشلت في فتح طريق المصنع ـــ دمشق الحيوي والاستراتيجي الذي تسيطر عليه مجموعة تردد أنها تنتمي إلى التيار السلفي، وقال أحد المسلحين: «نحن لا ننتمي إلى تيار المستقبل أو غيره من أحزاب الموالاة، نحن سنّة ولن نسمح بإهانة أهل السنّة، وعلى حزب الله أن يتصل بنا ويقول لنا إنه فتح طريق المطار وعندها نفتح الطريق هنا»! فيما أكد آخرون أنهم لا ينتمون إلى أي طرف سياسي أو ديني و«نحن هنا فقط نعلن اعتراضنا على سياسة حزب الله». هذا الموقف المستجد لم ينجح تيار المستقبل في تغيير معادلته، إذ فشل في إقناع القوة المسيطرة على معبر المصنع بالانسحاب ومغادرة المحلة وفتح الطريق الدولية بإشراف الجيش اللبناني الذي كثف من اتصالاته مع مختلف القوى في البقاع للالتزام بقراره فتح الطرق وسحب المظاهر المسلحة التي غابت بعد ظهر أمس بشكل تام عن مختلف محاور التوتر في البقاعين الأوسط والغربي الذي شهد توتراً في بلدة الصويري أدى إلى جرح علي طحان من الموالاة، وإحراق سيارة علي شومان من المعارضة.
وفي تطور ميداني، قال شهود عيان إن توتراً سجل فجر أول من أمس في مدينة بعلبك بين مناصرين للموالاة والمعارضة، تخللته عمليات خطف متبادلة وسقوط عبد الله عوض جريحاً نقل إلى أحد مستشفيات البقاع الأوسط حسب مصادر تيار المستقبل. ووصل التوتر أيضاً إلى اليمونة ـــ دير الأحمر بعد ظهور مسلح في تلال البلدتين المتجاورتين، انتهى بعد تدخل رجال دين وقيادات حزبية محلية.
وفي موازاة كل هذه التطورات السياسية والأمنية، برز أمس الحديث الصحافي للأمين العام لحزب الله الأسبق الشيخ صبحي الطفيلي الذي قال من منزله في عين بورضاي في بعلبك إن : «توجيه سلاح المقاومة إلى صدور بعض اللبنانيين في بيروت أفقده قدسيته، رغم كل المبررات التي تساق»، وأضاف أن حزب الله «ليس بحاجة مطلقاً لأي تصعيد، فضلاً عن الانتشار العسكري في بيروت الذي فتح أبواب الجحيم، ولا نعلم كيف ستغلق، اللهم إلا إذا كانت هناك أسباب أخرى لما حصل ونحن نجهلها».
وتزامناً مع كلام الطفيلي، شهدت قرى بقاعية محسوبة على تيار المستقبل اعتصامات رمزية والوقوف دقيقة صمت حداداً على أرواح الضحايا، وتلبية لنداء الرئيس فؤاد السنيورة، حيث رفعت الأعلام اللبنانية وأعلام تيار المستقبل.
أما الحدود اللبنانية ــــ السورية عند نقطة القاع ــــ الجوسية فتشهد حركة نشطة للمسافرين المغادرين الأراضي اللبنانية باتجاه سوريا «هرباً من مصير بات مجهولاً»، بعدما ارتفعت وتيرة الإضرابات الأمنية في لبنان ودعوة بعض السفارات رعاياها للمغادرة فوراً ولا سيما أن الأحداث مرشحة للتصعيد أكثر فأكثر. ويجد المسافرون في نقطة القاع المنفذ الآمن لهم بعدما قطعت طرق مطار بيروت ونقطة عبور المصنع وانعدام الأمن على طريق معبر العبودية في طرابلس. ولا تقتصر جنسيات المسافرين على مئات العمال السوريين الذين حملوا أمتعتهم وفرشهم وما يملكون، بل تتعداها إلى جنسيات أجنبية وعربية كالسعودية والكويتية..
(شارك في التغطية: أسامة القادري، نيبال الحايك، رامي بليبل، ونقولا أبو رجيلي