هل ينجح تفويض وليد جنبلاط إلى خصمه السياسي طلال أرسلان بإنهاء الاشتباكات التي اندلعت بحدّة ظهر أمس؟ إنها «كرة النار» التي يحسن جنبلاط رميها عادة إلى ملعب خصومه. أما في ملعبه، فلم يعرف بعد أعداد القتلى والجرحى
بيصور ــ عامر ملاعب

حتى ساعات متأخّرة من ليل أمس، كانت مختلف المحاور العسكرية التي اندلعت فيها المواجهات بين مقاتلي الحزب التقدمي الاشتراكي والمعارضة تشهد مناوشات وإطلاق نار رغم انتشار الجيش اللبناني في أكثر من بلدة وقرية. ولم يفلح التفويض الذي أعطاه النائب وليد جنبلاط إلى رئيس الحزب الديموقراطي اللبناني الوزير طلال أرسلان بالوصول إلى وقف حقيقي وجدي لإطلاق النار، وخصوصاً أن مسألة تسليم السلاح المتوسط والثقيل الذي استعمله مقاتلو الاشتراكي تحتاج إلى إجراءات ميدانية من جانب الجيش لم يكن من السهولة بمكان تنفيذها.
«سلاح الإشارة» الذي كان واحداً من أسباب اندلاع المواجهة غير المسبوقة بين قوى السلطة والمعارضة منذ 7 أيار الماضي، كان أمس سبباً رئيسياً لاستمرار المعارك، ولكن في الجهة المقابلة. فالمقاتلون الجنبلاطيون، وبينهم العشرات من رجال الدين الذين خرجوا من بلداتهم وقراهم وانتشروا في أحراج عاليه وبيصور وعيناب وعين عنوب وعيتات وبشامون والشويفات لم يتلقَّ الكثير منهم النداء الذي وجّهه جنبلاط عبر التلفاز بضرورة تسليم السلاح والسماح للجيش بالدخول إلى القرى. أما الذين سمعوا النداء فقد رفض غالبيتهم العظمى الامتثال وقرروا خوض مواجهة غير متكافئة كمن يرمي نفسه في أتون النار.
وكانت مختلف مناطق الجبل قد شهدت توترات أمنية منذ ليل السبت الماضي، وخصوصاً في محوري الدوحة ــــ عرمون والقماطية ــــ 888 ــــ عاليه. في محور عرمون، كان عدد من المقاتلين الجنبلاطيّين الذي فرّوا من الدوحة قد جهدوا لإقناع الأهالي بضرورة المواجهة وبدأوا يقيمون سواتر ترابية في أكثر من مكان. لكنّ الشرارة جاءت من تلة 888 الشهيرة حيث جرت مواجهة مفاجئة وغير متوقعة بين الاشتراكي وحزب الله، وتبعتها أكثر من حادثة أمنية على الطريق الدولي والحصيلة قتلى وأسرى في الطرفين. وكان حزب الله قد اتهم السبت عناصر من الحزب التقدمي الاشتراكي بـ«إعدام» اثنين من عناصره في بلدة عاليه واعتبار ثالث مفقوداً، ورأى الحزب أن هذه «الجريمة الوحشية أمر خطير جداً في مضمونها ودلالاتها وتداعياتها. وحمّل وليد جنبلاط شخصياً مسؤولية مصير الأخ الذي ما زال مخطوفاً».
هذه الحادثة وما تلاها من عشرات الشائعات، التي سرت بين السكان الدروز كالنار في الهشيم، حوّلت ساحات القرى إلى تجمعات شبابية مسلحة بأسلحة فردية، كما دفعت بالعديدين إلى استخراج ما كانوا يخبّئونه من أسلحة متوسّطة وثقيلة في الأقبية. لكن العديد منها لم يكن صالحاً للاستعمال.
ومع انتصاف نهار أمس، وبشكل مفاجئ وسريع، اندلعت المعارك على أكثر من جبهة وخصوصاً في منطقة الأحراج المجاورة لبلدات عيتات، القماطية، وكان معركة شديدة استعملت فيها الأسلحة الرشاشة والمتوسطة والصاروخية. ومع تصاعد دخان المعارك في بلدة عيتات، وورود أنباء عن تقدم مقاتلي المعارضة بشكل سريع، أخذت تسمع طلقات النار في كل القرى، منها ما هو رصاص في الجو ومنها ما توجّه ناحية بلدتي كيفون والقماطية.
وعند حلول الساعة الواحدة ظهراً كان يسمع دوي الانفجارات في أرجاء مختلف القرى، من تلّة 888 حيث تمركزت مجموعات من الحزب التقدمي الاشتراكي وبدأت بالقنص باتجاه كيفون والقماطية، ومجموعات أخرى من الحزب الاشتراكي تمركزت على تلّة شطرا في محيط بلدة بيصور وعلى منطقة الرادار التلّة المرتفعة فوق بلدة بيصور، واستخدمت في هذه المعارك مدافع الهاون من عياري 120 ملم و80 ملم، إضافة إلى المضادات الأرضية والأسلحة الرشاشة المتوسطة والخفيفة، وقد أصيب بهذا القصف وإطلاق النار عدد من المنازل، ومنها منزل وزير الإعلام غازي العريضي.
وفي بلدات الغرب الساحلي، أخذت مجموعات من أحزاب قوى المعارضة تتقدم باتجاه هذه القرى وتطلب من عناصر الاشتراكي تسليم أسلحتهم وإفساح المجال أمام الجيش للدخول.
وحين أعلن النائب وليد جنبلاط تفويض أرسلان التوسط لإنهاء الاشتباكات في الجبل، تداعت معظم مجموعات الاشتراكي المسلحة ما عدا بعض الجيوب التي ما زالت ترفض التسليم، وبقيت محاور بيصور ــــ كيفون وعيتات ــــ القماطية مشتعلة إلى حدود الساعة السادسة مساءً حيث اتفق على موعد لوقف إطلاق النار. وبعد اتصالات حثيثة وتدخل عدد من المشايخ والفاعليات كانت ما تزال هذه المجموعات متمسكة برفضها تسليم السلاح وتطلب ضمانات لكي تسلم أسلحتها وتخرج من المواقع المتحصنة بداخلها.
وفي ساعات المساء الأولى، دخل رتل من آليات الجيش اللبناني بلدة الشويفات. ولوحظ انحسار حدة المعارك في هذه المنطقة التي كانت قد شهدت معارك ضارية. وأفاد شهود عيان بأن عناصر الحزب التقدمي الاشتراكي الذين شاركوا في المعارك قدم عدد منهم من الشوف، وذلك ما يفسّر نداء جنبلاط التلفزيوني الذي قال فيه «للذين ربما أتوا من الجبل أو الشوف، لا خوف ولا خطر، نعمل على حصر الموضوع من أجل أن نحافظ على العيش المشترك».
ولم تتسنَّ معرفة التفاصيل على أرض الواقع من حيث حجم الخسائر في الممتلكات والأرواح بسبب استمرار المعارك. لكنه يمكن الحديث بشكل أولي عن سقوط ما لا يقل عن عشرين قتيلاً وجريحاً لدى الطرفين.
وأكد النائب أكرم شهيب في حديث إلى وكالة فرانس برس من منزله في عاليه «أن الهدوء عاد إلى هذه الجبل تنفيذاً لقرار رئيس الحزب وليد جنبلاط بالتنسيق مع قيادة الجيش وطلال أرسلان بهدف حفظ السلم الأهلي والإبقاء على العيش المشترك في لبنان». ورأى أن المشكلة «ليست مع بلدتي القماطية وكيفون (الشيعيتين) بل مع حزب الله».
وفي وقت لاحق، دعا أرسلان جميع الأطراف إلى وقف النار، وقال إنه سيجري اتصالات مع قيادة الجيش لضمان نشر قواته في مختلف قرى المنطقة وتسليم المراكز والسلاح المتوسط الذي تستخدمه عناصر الاشتراكي.