التزمت قوى المعارضة قرار سحب مسلّحيها من الشوارع، فاحتلّ مدنيون بثياب خضراء الأحياء مشغولين بمستوعبات النفايات وتنظيف آثار المعارك: إنهم رجال «سوكلين» الذي غابوا أياماً
نادر فوز

انقشع الغبار عن سماء بيروت، أزيلت العوائق في معظم شوارع العاصمة، فيما ظلّت المداخل المؤديّة إلى «الغربية» مقفلة تماماً، ما عدا الطريق البحرية التي تصل رأس بيروت بـ«البيال» و«الصيفي». عادت الحياة إلى شوارع بيروت أمس، لكنّها حياة «تحت جهاز الإنعاش» نظراً للحذر والترقّب اللذين سادا الموقف، فيما أسهم السكون الاعتيادي لنهاية الأسبوع في تعطيل الحركة أكثر فأكثر.
ومع انسحاب المظاهر المسلّحة، عادت التجمّعات الشبابية المدنية إلى كل تقاطع، وبالقرب من أي «محور». وتحاول عناصر الجيش بسط أمنها، إلا أنّ حضورها لا يزال خجولاً جداً ــ أو معدوماً حتى ــ في الأحياء، إذ يقتصر انتشارها على الشوارع الرئيسية التي لم تشهد ما عاشته الأحياء الداخلية من اشتباكات.
وفي أول معبر على الطريق الساحلية، عند «الروشة» بالقرب من الشارع المطلّ على مبنى تلفزيون المستقبل الذي نال ما ناله من النيران والرصاص، يبدو الطابع المدني ظاهراً، إلا أنّ الطريق مقطوعة، إلا أمام الصحافيين وأبناء المنطقة.
تغيّرت معالم كورنيش الروشة، فغابت صور الحريري، الأب والابن، عن جدران الأبنية وقطعت الحبال الحاملة للشارات الزرقاء. «ممنوع الاقتراب من التلفزيون»، أمر يصدره الحاجز المعارض الأول ليعيد ويصدره عناصر الجيش المحيطون بالمبنى. «المنطقة حسّاسة جداً» يقول أحد الشبّان، فبالقرب من «التلفزيون» السفارة السعودية ومنها أحد مداخل قصر قريطم، و«حتى الساعة لم تسمح لنا القيادة بالاقتراب أكثر لإنهاء المسألة كلياً».
انطلاقاً من الروشة، فالرملة البيضاء فمكاتب جريدة المستقبل، الهدوء يخيّم بشكل لافت، وحركة السيارات شبه طبيعية، إذ بقيت الشوارع المحيطة سالكة حتى خلال احتدام المعارك. الطريق الجديدة التي ارتفعت منها أعمدة الدخان. «ممنوع دخول حتى الصحافيين» إليها بأمر من عناصر الجيش، لذا تبدأ محاولات التفاف حول مواقع الجيش لدخول منطقة تيّار المستقبل الصامدة بانتشار القوى الأمنية في محيطها وداخلها. لم تنفع عدة «مناورات» متنقّلة مع القوى الأمنية لاجتياز خطوط الدفاع الأولى عند «جسر الكولا»، «المدينة الرياضية» و«مدخل صبرا».
المحاولة الأخيرة، من قصقص، باءت أيضاً بالفشل. طلقات نارية تملأ سماء معقل المستقبل. يؤكد عناصر الجيش أن الأمر ليس سوى مسيرة تشييع للشبان الذي سقطوا أول من أمس خلال عملية تشييع سابقة. لا وجود لأنصار المعارضة على مداخل الطريق الجديدة المقفلة بآليات الجيش، إلا أن آثارهم لا تزال واضحة عبر إحكام تسكير تقاطع شاتيلا ــــ الطيونة.
فشلت محاولات دخول معقل المستقبل، إلا أنّ الطريق سالكة نحو رأس النبع، مكان انطلاق الشرارة الأولى للاشتباكات. في أحياء رأس النبع، الشرقية والغربية، لملمة زجاج، تنظيف طرقات من آثار المعارك، وجولات مدنية لعناصر أمنية معارِضة. بالقرب من مراكز تيّار المستقبل الخالية من أنصارها وصور زعيمها، تتجمّع مجموعات من العسكريين لحماية «فلول» المستقبليين. بالقرب من أحدها، حضر عناصر من قوى الأمني الداخلي ضاربين طوقاً أمنياً، محاولين انتشال قنبلة «من مخلّفات الاقتحام المعارض» لم تنفجر، فيما احتمى الأهالي بالعناصر.
من برج أبو حيدر إلى سليم سلام، فمار إلياس ـــــ عائشة بكّار حتى ساقية الجنزير، الطرقات مفتوحة بمعظمها، وعواميد الإنارة شغلتها رايات حركة أمل بدل أعلام تيّار المستقبل، تأكيداً على دخول شباب المعارضة مناطق مسلّحي الأكثرية، فيما التجمّعات الشبابية تتوزّع على زوايا الشوارع. ومن معظم شوارع العاصمة، بقي شارع مار إلياس وحيداً مقفلاً أمام حركة السيارات، تعترضه سواتر ترابية عديدة تسدّ عدداً من مداخل الأحياء، لـ«أسباب أمنية» كما يقول أحد مسؤولي حركة أمل، مضيفاً إنّ «العصيان المدني لا يعني فتح الطرقات، سحبنا المسلّحين لكن من المفترض أن تقفل كل الشوارع طالما أنّ الحكومة مستمرّة في موقفها».
أما في ساقية الجنزير، المفصل الرئيسي بين عاصمتي الرئيس نبيه برّي (عين التينة) وسعد الحريري (قريطم)، فالطرقات مقفلة بشكل شبه كامل، إلا أنّ الالتفاف حول الشوارع الرئيسية يسمح بالانتقال من «محور» إلى آخر دون أن يعترض أحد الطريق.
انتهت الجولة، فيما لا يزال رجال «سوكلين» يقومون بوظائفهم، لأن ما يبقى في الطرقات من نفايات يمكن استخدامه في قطع الطرقات وحرق الإطارات.