طرابلس ـ عبد الكافي الصمدفقبل 48 ساعة من موعد الإضراب، كانت خطوط الاتصال الساخنة بين قريطم والشمال تحاول أن تطمئن من هم على طرفي الخط إلى أنّ الشارع السنّي في بيروت وطرابلس وبقية المناطق متماسك ومتراصّ وداعم، وأنّه ما من داع للقلق، لأنّ آلاف الشبّان من طرابلس وعكار والضنّية والمنية والكورة، من الذين تقدّموا بطلبات توظيف في الشركات الأمنية التابعة للتيّار، هم على أهبة الاستعداد للنزول إلى الشّارع عند أول إشارة؛ لا بل إنّ بعضهم حاول الترويج أنّ أكثر من 10 آلاف شاب من هذه المناطق سيلتحقون برفاقهم عند الضرورة.
لكنّ حساب بيدر المعنيين في التيّار لم يطابق حساب حقل الوقائع، فكانت ردّة الفعل الخجولة من مناصري المستقبل في الشمال «من أجل نصرة إخواننا في بيروت»، والتي جاءت أقل من المتوقع بكثير، رغم أنّ وعوداً وتعهدات أعطيت بأنّ طرابلس، وأقضية الشّمال السنّية، سوف «تسقط في يدنا في أقلّ من 48 ساعة، لتكون تعويضاً عن سقوط بيروت».
وبما أنّ أيّ شيء من ذلك لم يتحقق، وتمّ للتعويض عن خيبة الأمل هذه فتح جبهة باب التبّانة ــــ جبل محسن، التي لا علاقة لها بما يدور من صراع حالي، لم يعد أمام مناصري المستقبل إلا تجرّع الحقيقة المرّة بأنّ الأمور خرجت عن نطاق سيطرتهم، وأنّ مرحلة جديدة في طريقها إلى البزوغ.
في ظلّ هذه الأجواء، شرع كثيرون داخل التيّار في إعادة ترتيب أوضاعهم، في خطوة ينتظر أن تبدأ تداعياتها بالظهور قريباً، بينما يطرح سؤال في الوسط السياسي في طرابلس والشّمال هو: أين سيذهب جمهور المستقبل في الشمال مستقبلاً؟ وهل هناك من يعمل على استقطاب هذا الجمهور ووراثته؟
لا جواب عن هذا السؤال بعد، وإن كانت أحزاب وتيّارات سنّية قد بدأت «تسنّ أسنانها» في هذا الإطار، من غير أن تعلن.
وفي حين لم يخفِ كثير من المعنيين قلقهم من أن يسهم جو الشحن المذهبي في أن يكون المستفيد الأكبر من انحسار نفوذ المستقبل هو التيّار السلفي والأصولي المتشدد، الذي سيجد في ما حصل من تطوّرات أخيرة أرضاً خصبة وفرصة مناسبة لتدعيم وجود له.
فمنذ اندلاع شرارة الأزمة الأسبوع الماضي، أطلّ سلفيو الشّمال وأصوليّوه بشكل أثار تساؤلات انطلقت من كونهم اعتادوا العمل بعيداً عن الإعلام. فبدأت السبحة مع مؤسّس التيّار السلفي في الشّمال الشيخ داعي الإسلام الشهّال، وكرّت لاحقاً مع مفتي عكّار الشيخ أسامة الرفاعي، واللقاء الإسلامي المستقل برئاسة النائب السابق خالد ضاهر، ورئيس «جمعية دعوة الإيمان والعدل والإحسان» الدكتور حسن الشهّال، و«وقف إقرأ الإسلامي» الذي يترأسه الداعية عمر بكري فستق؛ وركزت هذه المواقف على انتقاد «حزب الله» بعنف غير مسبوق، ووصفت ما قام به بـ«الاعتداء السافر»، و«الإرهاب والإجرام»، و«غزو بيروت واجتياحها من أجل السيطرة على القرار السياسي، وإملاء شروطه على الآخرين»، وأنّه «بغى على أهل السنّة والجماعة، وقابل كلمة الحق بمدفع الغدر».
ومع أنّ هذه المواقف شكّلت غيضاً من فيض ما أعلن وما يدور في أروقة هذه التيّارات ولقاءاتها المغلقة، فإنّ مصادر إسلامية أكّدت لـ«الأخبار» أنّ «تضخيم هذا التخوّف هو في غير محله»، لافتة إلى أمرين: الأول أنّ «التيّار السلفي والأصولي المتشدّد كما يُسمّى، لا يملك الإمكانات والآليات التي تساعده في استيعاب هذه الحالة واستغلالها، نظراً لتجارب سابقة منيت بالفشل، ولبقائه يراوح في إطار ضيق ومغلق حتى في الوسط السنّي». أمّا السبب الثاني فترده هذه المصادر إلى أنّ جانباً من القوى الإسلامية السنّية في الشّمال «يقف إلى جانب المعارضة في مشروعها السّياسي بإطاره العام، مثل «جبهة العمل الإسلامي»، وجناحي «حركة التوحيد الإسلامي»، و«جمعية المشاريع الخيرية الإسلامية»، فضلاً عن «الجماعة الإسلامية» التي تحتل موقعاً وسطاً ومتقارباً بين هذه القوى. وهذه القوى قادرة على حصر الخطاب المذهبي المتشدّد وتطويقه».