ابراهيم الأمينلن تمر أيام كثيرة على أي تسوية ولو جزئية، حتى يجد حزب الله نفسه أمام سيل من الأسئلة عمّا هو آتٍ أو متوقّع في المرحلة المقبلة. وبرغم أن خصومه المحليين والخارجيين يعرفون بالضبط ما الذي قام ويقوم به، إلا أنه سوف يكون مسؤولاً، شاء أو أبى، عن كل ما حصل منذ اندلاع حوادث الثامن من أيار الجاري. إلا أن الأهم ليس انتظار أسئلة السياسيين أو المتابعين من المنقسمين بين مؤيّد أو معارض، بل ما سوف يخرج على لسان الجمهور في كل المناطق. ويبدو أن الحزب، الذي لم يكن يتوقع انهيار قوة الخصم بهذه السرعة، لديه ما يقوله في أشياء كثيرة، لكنه لا يجد نفسه مضطراً لأن يضعه الآخرون تحت الامتحان، وخصوصاً أنه يحمّل الآخرين، وخصوصاً الخصوم، المسؤولية الكاملة عمّا آلت إليه الأوضاع في لبنان. وإذا كان حزب الله، بالتعاون مع العماد ميشال عون والوزير سليمان فرنجية وآخرين، قد نجحوا في تجنيب المناطق المسيحية المواجهات التي جرت في أمكنة أخرى، فإن هذه المناطق تلقّت حتى الآن أصداء ما يجري من حولها، والسياسيون فيها يدركون بقوة المنطق والعقل أن نتائج المواجهات في الأمكنة الأخرى سوف تنعكس مباشرة على الواقع السياسي المسيحي، وثمة الكثير الذي يقال في هذا المجال، وخصوصاً أن خصوم العماد عون في كل المناطق المسيحية، من الذين أعلنوا الحرب عليه قبل وصوله إلى «المرتدين»، يعيشون الآن صدمة ما يحصل، هم لا يظهرون قلقهم من نجاح المعارضة في تحقيق مكاسب ذات بعد كبير في المناطق الإسلامية، بل خشيتهم من أن أي محاولة لأي فريق من مسيحيي 14 آذار للتحرك في المناطق المسيحية ستكون صعبة لأسباب كثيرة، ولا أحد يضمن نتائجه. لكن المصيبة الكبرى لهؤلاء، أن الكتلة المترددة التي يقولون إنها غادرت موقعها الحليف للعماد عون، عادت الآن لتجد نفسها أقرب إلى «من أثبتت الأحداث صحة تحليلاته وصواب خياراته»، عدا عن أن مسيحيّي 14 آذار الذين كانوا مهمّشين منذ اليوم الأول، ظهروا خلال الأيام القليلة الماضية كأنهم خارج الحسابات، سواء عند فريق السلطة أو فريق المعارضة.
لكن السؤال الأبرز يتعلق بشقّين: الأول يتصل بمسار التسوية الداخلية، والثاني يتعلق بالعلاقة مع الجمهور السني في لبنان، ومع قوى أخرى ترى نفسها متضرّرة من الحوادث التي جرت في الفترة الأخيرة. وفي الشق الأول، كان حزب الله قد حدد في المؤتمر الصحافي لأمينه العام السيد حسن نصر الله مطلبين لوقف التحرك الأخير، واحد يدعو الحكومة إلى التراجع عن القرارين المشؤومين، وعدم إقالة رئيس جهاز أمن المطار العميد وفيق شقير، والثاني يتعلق بتلبية فريق السلطة لدعوة الرئيس نبيه بري للعودة إلى طاولة الحوار للتوافق على السلة التي تخص تأليف الحكومة الجديدة وتصوّر لقانون الانتخاب وانتخاب رئيس للجمهورية.
وبناءً على ذلك، فإن الكلام الكثير الذي قيل في الأيام التي تلت اندلاع المواجهات، وخروج قيادات من المعارضة تطالب بأمور أخرى: من استقالة الحكومة، إلى تعديل جدول المطالب، إلى آخره، دفع بقيادة حزب الله للخروج عن الصمت السياسي والطلب إلى معاون نصر الله السياسي الحاج حسين الخليل الخروج إلى الجمهور وتجديد هذين المطلبين، والقول بأن العصيان المدني القائم سوف يرفع بمجرد حصول تجاوب مع هذين المطلبين، وهو أمر عاد الرئيس بري وأكده أمام قيادات ووسطاء من لبنان والخارج.
ولذلك، فإن حزب الله يتوقع أن تعود حكومة الرئيس فؤاد السنيورة عن القرارين، ويعلن فريق السلطة الذهاب إلى الحوار، وقد أظهرت المداولات القائمة بصورة غير مباشرة بين حزب الله والنائب سعد الحريري، أن الأخير بدأ يلامس بندي الحوار، وهو أثار قبل يومين مسألة قانون الانتخابات، معرباً عن ارتياحه إلى المشروع الذي قدمه النائب السابق سليمان فرنجية عام 2005. عدا عن أن النائب وليد جنبلاط بعث باسمه الشخصي أنه موافق على تأليف حكومة توزع مثالثة بين الموالاة والمعارضة ورئيس الجمهورية.
لكن يبدو أن حزب الله متحسّب لعدم حصول توافق سريع من خلال الحوار، وهو يرى الأمر مرتبطاً إلى حد بعيد بالأولويات الموجودة الآن لدى القيادات الخارجية المسؤولة عن قوى الموالاة، عدا عن تلمّسه التخبط الكبير القائم الآن داخل فريق السلطة نفسه، وإذا لم يتحقق الشرطان فإن الأمور ستبقى على حالها، ولا يبدو أن في المعارضة من يرغب في التراجع خطوة إلى الخلف. وهو قرار حاسم بمعزل عن الأضرار العامة التي قد تنتج عن مثل هذه الخطوة، لكن مع التأكيد أن التوتر السياسي سوف يكون له المزيد من الانعكاسات على الصعيد الأمني، وهو أمر سيكون له شكله المختلف عن الجولة الأولى. أما في حالة وجود رهان عند فريق في قوى 14 آذار بأن الصمود قليلاً سوف يكون مناسباً لأجل «توريط حزب الله في الوحل الداخلي أكثر»، وسوف «يلزم العالم العربي والعواصم الدولية باتخاذ إجراءات حاسمة أكثر»، فيبدو أن حزب الله وقوى المعارضة في أجواء مثل هذا الأمر، وهم ينظرون إلى هذا الرهان على أنه «حماقة» من النوع الذي يقود إلى مزيد من التدهور، ويدفع بقوى المعارضة إلى تجاوز ما بقي من خطوط حمراء في لبنان، وربما في خارجه، الأمر الذي بدأت الدبلوماسية الأوروبية والغربية بحث مضاعفاته، والسؤال عن السبيل إلى تسوية تمنع الانفجار الكبير.
ويبدو أن الدبلوماسية الفرنسية تحديداً باشرت جولة من الاتصالات شملت مختلف قوى المعارضة، وتوقفت عند حزب الله مع جدول أعمال كله أسئلة. من السؤال عن الأسباب التي دفعت الحزب إلى القيام بما قام به، وعن الأهداف والمطالب، وصولاً إلى تقديره للموقف، دون أن يغفل الجانب الفرنسي إثارة أسئلة عن احتمال قيام موجة أصولية بديلة من تيار «المستقبل» وخطر ذلك على المصالح الغربية في لبنان قبل اللبنانيين، مع إلحاح من الجانب الفرنسي على مطالبة حزب الله بإعداد سلّة هدايا تكون مغرية للطرف الآخر حتى يقدر على التنازل والذهاب سريعاً إلى تسوية متكاملة.. لكن جواب الحزب ظل في دائرة التحفظ، ولفت الانتباه إلى مسؤولية من تولى رعاية ودعم وتغطية فريق السلطة على مساعدته للخروج من مأزقه، وأن مفتاح الحل الطويل يبدأ بالتراجع عن القرارين.
(غداً: النقاش مع السنّة)