تحت عنوان «لا للفئوية»، عقد الرئيس سليم الحص مؤتمراً صحافياً، انتقد فيه بشدة ارتفاع «وتيرة الخطاب المذهبي السافر»، الذي «يضع المجتمع على فوهة بركان رهيب، إن انفجر لا سمح الله قضى على شيء يسمى وطناً لبنانياً». وقال: «كلا ثم ألف كلا، فالنزاع الذي يدور على ساحتنا منذ أيام ليس فتنة أو حرباً مذهبية كما يطيب للبعض أن يتغنّى، وإنما هو سياسي. ففريق الموالاة يضم وجوهاً بارزة من الشيعة كما يضم فريق المعارضة وجوهاً بارزة من السنّة، وبين السنّة والشيعة كثرة لا تلتزم أياً من الجانبين، وهؤلاء لا همّ لهم إلا الحفاظ على الوحدة الوطنية سبيلاً للذود عن كيان هذا الوطن الصغير ووجوده، وسط العواصف الإقليمية والدولية التي تزلزل المنطقة العربية».ولفت إلى أن العنف الأخير في بيروت كان «بين خطّين مختلطين مذهبياً وطائفياً، خط الموالاة وخط المعارضة»، وإلى أنّ الصدامات في الجبل وفي البقاع وفي الشمال «كان كثير منها بين أبناء الفئة الواحدة»، معتبراً أن «الإصرار على فئوية الصراع، لا بل على مذهبيته، إنما هو ملاذ الضعيف الذي يبحث عن ذريعة يغطّي بها ضعفه لا بل انسياقه، من حيث يدري أو لا يدري، وراء إرادات خارجية تتربص بمصيرنا الوطني شراً».
وإذ لم ينكر أن الشحن الفئوي بلغ حدوداً خطيرة، «وهذه ظاهرة يجب أن ندركها ونعمل على معالجتها والتصدي لتداعياتها بكل الوسائل المتاحة»، حدد المشكلة «في أن من يفترض فيهم أن يكونوا قادتنا، وقع معظمهم في شرك الفئوية وانبروا إلى صبّ الزيت على النار، مستسلمين لرياح الفئوية العاتية، المذهبية والطائفية، فينفخون فيها بأقوالهم وسلوكهم وتصرفاتهم. فإذا بهم يلجأون إلى التسلّح ليس للدفاع عن أرض الوطن في وجه عدو غاشم يتربص بنا شراً، وإنما لجبه قوى أخرى من شعب هذا الوطن المنكوب».
ورأى أن «السلاح أضحى عدة الزعامة في لبنان، والمال هو وقود الفتنة التي يراد لشعبنا أن ينزلق إلى أتونها. المال والسلاح توأمان في صنع الزعامات في لبنان هذه الأيام».
وقال: «شتان ما بين الدين والطائفية. فالدين قيم تجمع، أما الطائفية، ومنها المذهبية، فعصبيات تفرّق. القيم الدينية المشتركة، ومنها المحبة والرحمة والانفتاح والاستقامة والخير، كلها ذات معان واحدة في كل الأديان والمذاهب. لذا القول إن الدين يجمع ويوحّد.
أما الطائفية، ومنها المذهبية، فعصبيات عمياء تقتات على الغرائز والانفعالات. فهي تتصادم لتلغي إحداها الأخرى، علماً بأن الإلغاء مستحيل في كل الأحوال. لذا القول إن الطائفية تفرّق لا بل تمزّق وتدمّر».
وإذ وصف الحوادث الأخيرة بأنها «مؤلمة للغاية»، قال إنها كانت «بتحريض وتمويل من قوى إقليمية ودولية»، وكان «يجب أن يحرص قادة هذا الشعب المزعومون على تفادي المحظور بأي ثمن وبكل الوسائل المتاحة».
وأردف: «أما وقد وقعت الواقعة، فإننا نسارع إلى التذكير بأن مجتمعنا لا يتحمّل غالباً ومغلوباً»، مستشهداً بحوادث عام 1958 وبالحرب الأهلية ما بين 1975 و1990.
ولفت إلى أن الأزمة الحالية «انفجرت بصدور القرار 1559 عن مجلس الأمن الذي نصّ على حل الميليشيات وجمع سلاحها، وقد شمل القرار ضمناً المقاومة اللبنانية. والقصد كما كان معروفاً خدمة العدو الصهيوني وهو يحتل أرضاً لبنانية ويحتجز أسرى لبنانيين ويقوم باعتداءات شبه يومية على أرض لبنان وأجوائه ومياهه»، عارضاً تبدّل وجه الأزمة مع تطور الحوادث، حتى الوصول إلى الاستحقاق الرئاسي «من دون انتخاب رئيس جديد. فإذا بالأزمة أزمة حكم
عنيفة».
وجزم بأن المخرج من هذه الأزمة «لن يكون إلا بالتوافق وفق المبادرة العربية، أي بإعلان نيات يشمل انتخاب الرئيس التوافقي والاتفاق على شكل الحكومة الأولى في العهد العتيد، على أن تمنح صلاحية اشتراعية في موضوع قانون الانتخاب، أملاً بإجراء انتخابات نيابية تجدد الحياة السياسية بعدما طغت على الساحة السياسية أوبئة الفساد وشرور التسلّح ومنطق العنف
والتسلّط».