أنطوان سعدتوصلت بعض الشخصيات المسيحية المستقلة العاملة على خط المحافظة على الهدوء داخل المناطق ذات الأغلبية السكانية المسيحية إلى اقتناع مفاده أن الظروف والقيادات المتنازعة ومجريات الأحداث حيّدت هذه الساحة أكثر مما عملت القيادات المسيحية على تحييدها. غير أنها تستدرك قائلة إنه لا بد من الإشارة إلى أن هذه القيادات كانت واعية للمخاطر المحدقة ولم تتصرف في شكل خاطئ، ولم تقم بأي استفزاز، وتجاوبت ميدانياً على الفور مع كل مراجعات الجيش اللبناني الذي أدى أيضاً دوراً مهماً في منع انتقال المواجهات إلى ما كان يعرف بالمنطقة الشرقية.
ذلك أن القوى التي شنّت الهجوم على بيروت والجبل لم يكن من مصلحتها استعداء طائفة ثالثة يتمتع حليفها رئيس تكتل التغيير والإصلاح العماد ميشال عون فيها بموقع بارز سوف يتعرض حكماً للاهتزار إذا توسعت المواجهات لتشمل مناطقها، وخاصة أن التيار الوطني الحر يتباهى بأن التفاهم بينه وبين حزب الله هو ما وفّر تحييد هذه المناطق وقام بسلسلة مداخلات لتجنيب بعض المؤسسات الاقتصادية ضرر الأحداث أو لتسهيل أوضاع إنسانية
معينة.
وبما أن القوى المهاجمة لم تتعرض للمناطق المسيحية، لم يكن من مبرر أو حتى فرصة لكي تبادر القوى المسيحية الموالية إلى الدخول طرفاً في المواجهات الدائرة.
وفي هذا الإطار، تكشف أوساط قريبة من المعارضة أنه قد بلغها أنه حصلت مراجعة يتيمة من جانب قيادات موالية لرئيس الهيئة التنفيذية في القوات اللبنانية الدكتور سمير جعجع للتدخل بطريقة ما لتخفيف الضغط عن بيروت والجبل، لكن هذا الأخير وجد الأمر غير ممكن، نظراً لما قد يترتب عليه من مضاعفات مع الجيش اللبناني والحزب السوري القومي الاجتماعي وتيار المردة والرأي العام المسيحي الذي لم يخرج بعد من تروما حرب الإلغاء سنة 1990 التي مزقته وأخرجته من المعادلة السياسية اللبنانية منذ ذلك
الحين.
إضافة إلى ما سبق، لا تجد القوى المسيحية المعارضة دافعاً للدخول في المعركة. فمن جهة هناك خشية من زيادة تراجعها على المستوى الشعبي إن هي بادرت إلى القتال، ومن جهة ثانية تبدو هذه الأوساط مقتنعة بأن حلفاءها منتصرون، ولا حاجة لتدخلهم، ولا فائدة منه. وتقول معلومات إن رئيس تيار المردة الوزير السابق سليمان فرنجية أقنع أركان الحزب السوري القومي الاجتماعي بأن ثمة ضرراً كبيراً على مستوى الرأي العام المسيحي في الشمال إذا حاولوا الرد على أحداث حلبا في الكورة أو غيرها.
ولا بد من الإشارة أيضاً إلى الدور المهم الذي أدته هيئات المجتمع المدني على صعيد التهدئة والضغط على القيادات المسيحية والكوادر والناشطين في مختلف القطاعات. وفي هذا الإطار، تندرج جهود الرابطات والمجالس المسيحية اللبنانية التي زارت في اليومين الماضيين العماد ميشال عون ورئيس حزب الكتائب الرئيس أمين الجميل وقائد الجيش العماد ميشال سليمان والدكتور سمير جعجع وستزور غداً السبت الوزير السابق سليمان فرنجية. كما تألفت هيئات أخرى موقتة لمتابعة الأوضاع ستُعلن في الأيام المقبلة سلسلة تحركات تحت عنوان «الندوة المسيحية الوطنية» لتوفير «مساحات حوار وتلاق روحية» على مستوى الأقضية والقطاعات المهنية والطلابية للتشاور في الخطوات الواجب اتخاذها لتعزيز التوافق بين المسيحيين، وخصوصاً لتظهير آلية تعمل على مد جسور التفاهم بين القيادات غير المسيحية المتنازعة.
أما ما جعل الشخصيات المسيحية تصل إلى الاقتناع بأن دور القيادات المسيحية محدود، فهو ما سمعته منها من مواقف تنم عن كراهية متأصلة لديها حيال خصومها داخل الطائفة أو حتى حيال المرجعيات الدينية المسافرة، ومن تقويم للأوضاع يحمل على الاعتقاد بأنه لو كانت لهذه القيادات القدرة على التحرك لما بقيت متفرجة، مع أنه لم يكن لهذه القيادات رأي حاسم في أخذ القرارين الوزاريين اللذين سببا شرارة اندلاع الأحداث ولا في إلغائهما. وقد يكون ذلك السبب المباشر الذي حمل قيادة الجيش على أخذ سلسلة إجراءات في المناطق المسيحية المحاذية لأماكن الاشتباكات لضبط الوضع فيها ولمنع انتقال المواجهات إليها.
ويعزز هذا الانطباع ما رشح عن أجواء الزيارة التي قام بها وفد من حزب الكتائب إلى الوزير السابق سليمان فرنجية. فرغم أنها كانت تندرج في سياق التهدئة وخلق آلية تفاهم للحفاظ على الاستقرار، فإن ما طغى عليها هو الكلام السياسي وتحميل المسؤوليات وتقويم نتائج ما جرى وتداعياته.