يبدأ السبت المقبل عرض فيلم إنديانا جونز الجديد الذي يرتكز كعادة أفلام جونز الأخيرة على «تحفة» يشكل العثور عليها محور الصراع من دون الاكتراث بالحقائق العلمية
جوان فرشخ بجالي

بعد غياب دام أكثر من 11 سنة، عاد إنديانا جونز إلى الشاشة الكبيرة في فيلم من إخراج ستيفن سبيلبرغ بعنوانIndiana Jones and the kingdom of the Crystal skull أو «إنديانا جونز ومملكة جمجمة البلور». وكما جرت العادة في الأفلام الثلاثة التي سبقته، تتمحور قصة الفيلم حول تحفة تحوي ألغاز العالم وتعطي مالكها سلطة مطلقة على الأرض. وهذا ما ترتكز عليه عادة سيناريوهات أفلام إنديانا جونز، يضاف إلى ذلك طبعاً الصراع بين القوى السياسية في العالم، ففي أفلامه السابقة حارب أندي النازيين، وهو اليوم يعلن حربه على الشيوعية.
تدور أحداث فيلم «جمجمة البلور» في عام 1957، أي في خضم الحرب الباردة. في حينها يجد عالم الآثار المدرّس في جامعة مارشال كوليدج نفسه مطروداً من منصبه بسبب الضغوط السياسية. يذهب للبحث عن مملكة جمجمة البلور الضائعة في أرض البيرو التي يحميها الأموات ـــ الأحياء. أثناء بحثه يدخل البروفسور في صراع مع قوات عسكرية تابعة لروسيا الشيوعية تحاول الوصول إلى المملكة لامتلاك جمجمة البلور التي ستعطي روسيا سلطة مطلقة على الأرض، إن إستطاعوا فك ألغازها. ولكن، يتصدى أندي لهذا المشروع ويقوم بإحدى أهم الاكتشافات الأثرية لحضارة منسية وضائعة، منقذاً العالم من براثن الشيوعيين الأشرار!
الفيلم الذي يمثل فيه هاريسون فورد دور البطولة، وتتحول فيه كايت بلانشيت إلى قائدة في القوات العسكرية الروسية يطرح السؤال عما إذا كان موضوعه يمت إلى علم الآثار بصلة؟
الجواب ليس النفي فحسب، بل السخرية أيضاً. ذلك أن قصة الفيلم الشيقة ترتكز بأكملها على البحث عن قطع «أثرية» أثبت العلم أنها مزيفة! وهذا ما تؤكده جاين ماكلاون والش عالمة الأجناس الحية في متحف السيمسونيان في واشنطن التي نشرت مع زميلتها في المتحف البريطاني دراسة عن هذه الجماجم التي يمتلك كلّ من المتحفين نسخاً منها ويعرضانها في خزانات القطع المزورة. «جماجم البلور ظهرت في أسواق الآثار على ثلاث مراحل. في المرة الأولى عرضت للبيع في المكسيك سنة 1863 بعد الاحتلال الفرنسي حينما عرض يوجين بوبان الذي كان متخصصاً ببيع القطع الأثرية والطيور النادرة أول جمجمة بلورية للبيع، مؤكداً أنها تأتي من مواقع حضارة أميركا القديمة. وكانت أول قطعة صغيرة بحيث إنها توضع حول العنق، وبيعت بسعر مرتفع ثم اختفت من الأسواق وعادت وظهرت عام 1881 في باريس، لكن هذه المرة بحجم الجمجمة الطبيعية وللصدفة كان بائعها... يوجين بوبان! أما «الظهور» الثالث لهذه الجماجم فكان سنة 1934 في أسواق لندن، وهذه الجمجمة هي نسخة طبق الأصل لجمجمة المتحف البريطاني، ولكن فكّها متحرك. وبدأت الأساطير تنشأ عن الجمجمة بعد إصدار كتاب ميتشال هدجز «خطر يا حليفي» Danger my ally)) الذي يعطي للجمجمة رمزية دينية لشعوب المايا وأسطورية تشبه إلى حد كبير أفلام إنديانا جونز»!
دراسة والش لهذه الجماجم لا تتوقف على التاريخ، بل تذهب إلى أبعد من ذلك، محلّلة طريقة نحت الحجر البلوري الذي تم بأدوات كانت يستعملها نحاتو أوروبا في القرن التاسع عشر، ولم تعرفها يوماً حضارات أميركا اللاتنية التي نقشت جماجم وأوجهاً بالذهب والحجر الصلب!
تجدر الإشارة إلى أنّ إنديانا جونز الذي يعرّف عنه في الفيلم كعالم آثار لا يمت في الحقيقة لعلم الآثار بصلة، بل هو يشبه أكثر سارقي الآثار الذين يدمّرون حضارات بحثاً عن قطع تدرّ عليهم الأموال الطائلة، وخصوصاً أن أفلامه تروّج لسرقة الآثار بشكل غير مسؤول وبحدود مخيفة! ويمكن التأكيد، أنه بعد انطلاق الفيلم في الأسواق السبت المقبل، سيزداد الطلب على آثار حضارات الأنكا والمايا التي عاشت في البيرو في العصور الماضية، والتي تتعرض أصلاً للسرقة في إطار البحث عن جماجم بلورية غير موجودة. بل إن السرقة بدأت حتى قبل عرض الفيلم. ففي متجر في لوس أنجلس يبيع قطع ديانة العصر الجديد، سرقت الجمجمة البلورية من أعلى الرف! وبحسب صاحب المتجر، السرقة أتت كردة فعل على الترويج للفيلم. والآن سيبدأ محبو القطع الأثرية طلب جماجم جديدة... لكن بوبان توفي منذ زمن، وإذا لم يلبّ الطلب مزوّر آخر فمن المؤكد أن «مدناً» قديمة ستمحى تحت وطأة البحث.


جمجمة للعبادة

لا يتعامل فيلم إنديانا جونز مع قصة «جمجمة البلور» بحسب الوقائع العلمية، ولا يرى القطعة «تحفة» في عالم التزوير، بل العكس تماماً. ذلك أن الفيلم يتبنى فكرة انطلقت في ستينيات القرن الماضي بعد انتشار كتاب ميشال هدجز وبدء انتشار ديانة العصر الجديد (New Age religion) التي تعطي لهذه الجماجم رمزية دينية وقوة سحرية: فتجويف العين يطلق شعاعاً أزرق اللون يقتل ما إن يصيب الشخص... كما أن الجماجم ترمز إلى قوى الشر في العالم!