غسان سعودلاحقاً، وبعد تلاقيهما حول إصدار مجلس الوزراء القرارين الشهيرين، تلاقى جعجع والنائب وليد جنبلاط على ضرورة إيجاد الردِّ المناسب على خطة السير الاستفزازيّة للتظاهرة العماليّة انسجاماً مع مشروع جعجع، ولقطع الطريق على هذه التحركات. تماماً مثلما حصل في مناسبات عدّة، حين نجحت الأكثرية في قمع تحركات سابقة عبر افتعال حوادث أمنيّة محدودة.
ومع بدء الاشتباكات، تقول مصادر معارضة، كان جعجع يغرّد بعيداً عن سرب جنبلاط والحريري، متوعّداً حزب الله بفتح الطريق و«بي بيّا» (عاد جعجع وقال في آخر تصريح له إنه لا أحد يستطيع فتح طريق المطار بسبب وجود المسلّحين). ورغم ادّعاءات التهدئة في المناطق المسيحيّة، يقول المسؤول القواتي السابق، عقدت القوات ثلاثة اجتماعات كان هدفها المبادرة إلى أمر يخفّف الضغط عن حلفائها في بيروت والجبل، ويعدّل الكفّة بإعلان الموالاة سيطرتها على المناطق المسيحيّة والشمال، ويفتح آفاقاً جديدة للمعركة تحت عنوان تهديد حزب الله لوجود المسيحيين.
وكان أوّل هذه الاجتماعات، بحسب المسؤول القواتي السابق، قد بدأ في بزمّار وانتهى في قرطبا لوضع خطة طوارئ إنقاذيّة، سرعان ما أبلغ الجيش المعنيين بها ضرورة وضعها جانباً والتزام الهدوء (تناقلت بعض وسائل الإعلام، إثر هذا الاجتماع، أنباءً عن تجميد بعض المسؤولين القواتيين لنشاطهم احتجاجاً على تهوّر البعض). وبعد كسروان، عقد القواتيّون اجتماعاً في بلدة شويّا المتنيّة «للدفاع عن المنطقة». لكن رسالة أخرى وصلت إلى منظّم الاجتماع، من استخبارات الجيش، بأن أي اشتباه بتهديد أمن المنطقة سيدفع الجيش إلى اعتقاله قبل غيره. وآخر الاجتماعات كان يوم الاثنين، في بلدة مجدل العاقورة، وخرج دون نتائج أيضاً بحكم تدخّل الجيش مرّة أخرى.
وعلى هامش هذه الاجتماعات التحضيريّة، ثمّة شائعات راجت عن تجمعات قواتيّة انتظرت الإشارة في الشوف، وبعض بلدات عاليه، ومنطقتي السوديكو وعين الرمانة. أما في بشري وزغرتا والكورة، فقد لجم جعجع استنفار مؤيّديه، بعدما وصلته معلومات أن تيار المردة والقوميين مستعدون لتلقّف أي استفزاز. كذلك دفع إصرار الرئيس أمين الجميّل على تحييد المناطق، وذهابه في هذا الأمر إلى حد إجراء اتصالات كتائبيّة ــــ قوميّة للتهدئة، بجعجع صوب الهدوء، وخصوصاً أنه كان يعتمد على القتال بالكتائبيين في جبيل وكسروان والمتن والبترون.
هكذا فقد جعجع ورقة ثمينة كان ينتظر منذ أشهر الفرصة لإشهارها في وجه العماد عون لاستعادة المناطق التي سبق للقوات أن بسطت نفوذها فيها. ومن هنا تُفهم محاولته وضع العصي في دواليب المبادرة العربية كاشمئزاز من إدارة حلفائه للصراع، وسط معلومات ترجّح أن يفي بتعهداته، فيبدأ معارضة علنيّة لتفاهم حلفائه المتوقع مع حزب الله، على حساب «بناء الدولة»، علّه ينجح أخيراً في تحقيق خرق شعبي في المناطق المسيحيّة.